في خطوة إصلاحية جديدة تعكس التزام المغرب بتعزيز منظومة حقوق الإنسان وتحديث العدالة الجنائية، أعلن مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، عن دخول مشروع المرسوم التطبيقي للقانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ، واصفاً إياه بـ”الإصلاح الجريء والإنساني”.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية أعقبت انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس 22 ماي 2025، حيث أكد بايتاس أن هذه المبادرة التشريعية تندرج ضمن دينامية إصلاحية يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وترمي إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع المغربي، والاستجابة لمطالب طالما عبّر عنها الفاعلون الحقوقيون، خاصة فيما يتعلق بظاهرة الاكتظاظ داخل السجون.
نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية
القانون الجديد يُعد نقلة نوعية في التعاطي مع العقوبات، من خلال إقرار أربع بدائل رئيسية للعقوبة السالبة للحرية، وهي: العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق مع فرض تدابير علاجية أو تأهيلية، والغرامة اليومية. وتهدف هذه العقوبات إلى إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع، وتفادي الانعكاسات السلبية للسجن على حياتهم الاجتماعية والمهنية.
وأوضح الوزير أن هذه العقوبات جاءت وفق مقاربة مرنة تراعي تنوع الجرائم والملفات القضائية، حيث تم إعداد تصنيف دقيق للعقوبات البديلة، بما يسمح للقضاء بالتكيف مع خصوصيات كل حالة على حدة.
هيكلة متكاملة لتتبع التنفيذ
يركز مشروع المرسوم على ضمان تنفيذ فعلي ومنظم لهذه العقوبات، من خلال تحديد مهام المندوبية العامة لإدارة السجون، سواء على المستوى المركزي أو المحلي، وتتبع تنفيذ العقوبات، خصوصاً في ما يتعلق بالعمل لأجل المنفعة العامة. وقد تم إقرار سجل خاص لتوثيق العقوبات البديلة بهدف ضمان تتبع دقيق وشفاف.
كما ينص المرسوم على مراحل واضحة لتنفيذ العقوبة البديلة، ابتداءً من قرار القاضي إلى إعداد التقرير النهائي، مع تحديد أدوار كل من النيابة العامة والقضاة والمندوبية العامة، وتوزيع المسؤوليات بين الأطراف المعنية.
السوار الإلكتروني: ركيزة أساسية في المشروع
أبرز بايتاس أن نظام المراقبة الإلكترونية يُشكل إحدى الدعائم الأساسية لهذا الإصلاح، حيث ستُشرف المندوبية العامة على تدبيره وتنسيقه، مع اعتماد نظامين للمراقبة: ثابت بالمنزل، ومتحرك يُواكب تنقلات الشخص المحكوم عليه. وستُطلق منصة وطنية مركزية لتتبع تنفيذ هذه العقوبات.
وعلى المستوى المالي، ستتكفل الدولة بالمصاريف التقنية لتدبير الأجهزة، مع إمكانية مطالبة المحكوم عليهم بتحمل جزء من التكاليف وفق ما ينص عليه القانون.
استقلال القضاء في صلب المنظومة
شدد الوزير على أن دور قاضي تطبيق العقوبات يبقى محورياً في إنجاح هذا النظام، إلى جانب تدخلات النيابة العامة وباقي الفاعلين القضائيين، في إطار رؤية متكاملة تُراعي ضمانات المحاكمة العادلة والفعالية في تنفيذ الأحكام.
وبذلك، يُعد هذا الإصلاح نموذجاً متقدماً في العدالة الجنائية، يجمع بين الطابع الزجري والبُعد الإنساني، ويضع المغرب في مصاف الدول التي تبنت أنظمة عقابية بديلة تواكب تحولات المجتمع وتُعزز الثقة في القضاء.