بالتأكيد تُشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورشا ملكيا إستراتيجيا وتضامنيا كبيرا ،هذا الورش الذي نخلد ذكراه العشرين بحصيلة متميزة في أبعادها الإجتماعية والإقتصادية والرياضية ،فإذا تحدثنا عن الشق الإجتماعي والمجتمعي نجد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بحصيلة ميدانية مهمة ساهمت على سبيل المثال لا الحصر في مرحلتها الثانية من تقليص نسب الفقر بالوسط القروي بوعاء مالي يقدر بثلاثة ملايير درهم ،كما عملت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على التأهيل الترابي الحضري والقروي لحوالي 90 إقليما بتعبئة مالية تناهز 5 ملايير درهم ،أما المحطة الأولى لهذا الورش الملكي المجتمعي فقد خصص لها حوالي 14 مليار درهم ساهمت في توفير البنيات التحتية من فك العزلة وشبكة الماء والكهرباء بالوسط القروي، واستهداف الفئات الهشة على غرار ذوي الهمم والمسنين والأمهات في وضعية صعبة والأطفال المتخلى عنهم من خلال إحداث مراكز ومركبات تعتني بهم ، وصولا للمرحلة الثالثة التي رُصد لها حوالي 18 مليار درهم ركزت على الرأسمال البشري من خلال برنامجها الثالث لإدماج الشباب الإقتصادي والإجتماعي ،وكذا التنمية البشرية للأجيال الصاعدة والأم في برنامجها الرابع ،وبالتالي فنحن نتحدث عن حصيلة قيمة لهذا الورش الإستراتيجي الذي وضع ملامحه جلالة الملك محمد السادس الذي أكد في خطابه التأسيسي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 بأنها تهدف لبلورة تصور شمولي قائم على النجاعة الإقتصادية والفعالية المجتمعية.
لقد كان لِبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تأثير مهم جدا في مجال تقوية قدرات الفعاليات الجمعوية من خلال الدور الجوهري الذي تلعبه المنصات الإقليمية للشباب كإطار تكويني خاص بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، فعلى سبيل المثال خلال المرحلة الثالثة تم تكوين أزيد من 380 ألف شباب وشابة عبر فضاءات 130 منصة إقليمية بمختلف ربوع المملكة المغربية ،تمّ عبرها دعم أزيد من 12 ألف مقاولة شبابية ،وحوالي 4700 مشروعا إجتماعيا شبابيا ،كما أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تعتمد على المجتمع المدني وفق مقاربة تشاركية لتنزيل ومواكبة مجموعة من برامجها على غرار إشراف مؤسسات المجتمع المدني على تسيير مجموعة من المراكز و المركبات المرتبطة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وقد كانت لي تجربة جمعوية متميزة في هذا الصدد عبر الإشراف على برنامج تقوية القدرات الشبابية في الجانب المقاولاتي رفقة رئيس اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية السيد عبد الرزاق المنصوري ، وهنا وجب التأكيد والتنويه بالدّور الجبار الذي يلعبه الولاة والعمال عبر لجان الحكامة المحلية والإقليمية والجهوية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، كما أن المميز في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مركزيا هو نهجها خلال هندستها للبرامج الإجتماعية الخاصة بها على التنسيق العمودي مع مختلف المتدخلين و الشركاء ،سواء عبر الالتقائية مع القطاعات الحكومية، وكذا عبر تحديد حاجيات وتحديات كل جهة وإقليميا عبرتفعيل توصيات اللجان الإقليمية التي تضم مختلف الشرائح من فاعلين ترابيين و منتخبين ومجتمع مدني ومديري المصالح اللاّممركزة والقطاع الخاص.
أعتقد بأنّ من أهم الرهانات الكبرى التي يجب أنْ تضعها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال محطّتِها الرابعة هي مواصلة المجهود المبذول على صعيد تأهيل الرأسمال البشري خصوصا الشباب ،مع العمل على خلق شراكات والتقائية مع القطاعات الحكومية المعنية بالشغل والمقاولة والإستثمار لتعزيز الجيل الجديد من الشغل والتكوين القادر على الإدماج الإقتصادي للشباب، فهو من وجهة نظري المتواضعة أحد أهم الرهانات، من الإنتظارات كذلك مواصلة التأهيل القروي للبنيات التحتية خصوصا بالأقاليم التي مازالت تعرف خصاصا في وسطها القروي لفك العزلة وتقريب الخدمات الإجتماعية عبر إحداث مراكز ومركبات سوسيو_رياضية وإقتصادية بها ،لا ننسى كذلك مواصلة المجهود المبذول من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سواء مركزيا أو جهويا في تنسيقها مع مؤسسات المجتمع المدني وفق المنظور التشاركي في مجالات الصحة خصوصا الصحة الإنجابية والتعليم عبر مؤسسات التعليم الأولي وإدماج ذوي الهمم من خلال مقاربة التربية الدامجة ، وهذا ما يُميز كثيرا برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في هندستها لبرامجها الإجتماعية المُتمَيّزة ، التواصل والتنسيق والإنصات والحكامة كلها لبِنات جوهرية ساهمت في نجاح ورش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خلال هاتين العُشرِيَتينِ.
رضوان جخا : محلل سياسي