في خطوة تاريخية تعكس المكانة المتميزة التي أصبحت تحتلها المملكة المغربية على الصعيد الدولي في مجال مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، صادقت شبكة هيئات الوقاية من الفساد على تعديل جوهري لميثاقها الداخلي. ويقضي هذا التعديل بتحويل السكريتارية المتنقلة التي كانت تتناوب بين الدول الأعضاء إلى كتابة دائمة ومستقرة، مع اعتماد المغرب موقعاً رسمياً ثابتاً لهذه الكتابة الدائمة، وإسناد مهمة الإشراف عليها إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
جاء هذا الإعلان في بلاغ رسمي أصدرته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث أكدت أن هذا القرار الاستثنائي يمثل اعترافاً دولياً متقدماً بالمسار الذي قطعته المؤسسة المغربية في مجال مكافحة الفساد وترسيخ قيم النزاهة. وأشارت الهيئة إلى أن هذا الاختيار يعكس الثقة الكبيرة التي توليها المجموعة الدولية للدور المتنامي الذي تؤديه الهيئة المغربية على المستويين الإقليمي والدولي في تعزيز الحكامة الجيدة ومحاربة مختلف أشكال الفساد والرشوة.
وأوضحت الهيئة في بلاغها أن اختيار المملكة المغربية مقراً دائماً لسكريتارية الشبكة الدولية لا يحمل بعداً تنظيمياً فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشمل دلالات مؤسساتية عميقة وهامة. فهذا القرار يكرس موقع الهيئة الوطنية للنزاهة كفاعل مرجعي على المستوى الدولي، قادر على مواكبة التحولات والتطورات الدولية المتسارعة في مجال مكافحة الفساد، وتأطير العمل الجماعي بين مختلف الدول الأعضاء، فضلاً عن ضمان استمرارية ونجاعة البرامج والمبادرات التي تطلقها الشبكة.
وأضافت الهيئة أن هذا الاختيار التاريخي سيساهم بشكل كبير في تعزيز إشعاع المؤسسة المغربية وتقوية حضورها الفاعل داخل شبكات التعاون الدولي المتخصصة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته. ومن شأن هذا الدور الجديد أن يمكن الهيئة المغربية من لعب دور محوري في تنسيق المبادرات المشتركة بين مختلف البلدان الأعضاء، وتطوير الآليات والأدوات الحديثة ذات الصلة بمكافحة الفساد، ودعم قدرات هيئات الوقاية الوطنية في مختلف الدول، وذلك خدمة للأهداف النبيلة المشتركة الرامية إلى ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية في الحياة العامة وبناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
جاء هذا القرار التاريخي في أعقاب الاجتماع المشترك للجنة التنفيذية والجمعية العامة لشبكة هيئات الوقاية من الفساد، الذي انعقدت فعالياته في العاصمة القطرية الدوحة، تحت الرئاسة المباشرة لمحمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الشبكة الدولية. وقد شهد هذا الاجتماع نقاشات معمقة حول سبل تطوير عمل الشبكة وتعزيز فعاليتها في مواجهة التحديات المتزايدة المرتبطة بظاهرة الفساد في سياق دولي يتسم بالتعقيد والترابط المتزايد.
تجدر الإشارة إلى أن شبكة هيئات الوقاية من الفساد تعد منظمة دولية واسعة النطاق، حيث تضم حالياً 45 هيئة متخصصة تمثل 37 دولة موزعة عبر مختلف القارات، من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية. وتشمل عضوية هذه الشبكة سلطات مستقلة للنزاهة، ووزارات العدل في مختلف البلدان، وهيئات عليا معنية بالوقاية من الفساد ومكافحته، إضافة إلى انفتاحها على شبكة واسعة من المراقبين والشركاء الدوليين، بما في ذلك منظمات إقليمية ودولية مرموقة ومؤسسات أكاديمية متخصصة في هذا المجال.
يأتي هذا الإنجاز المغربي ليضاف إلى سلسلة من الإنجازات التي حققتها المملكة في السنوات الأخيرة على صعيد تعزيز الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، مما يعكس الالتزام الراسخ للمملكة بترسيخ قيم الشفافية والمساءلة في مختلف القطاعات، ويؤكد ثقة المجتمع الدولي في قدرة المغرب على تحمل مسؤوليات دولية كبرى في هذا المجال الحيوي.










