بينما كان يُنتظر من المواطنين المغاربة التحلي بروح المسؤولية والانضباط، والانصياع للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، الداعية إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام حفاظًا على القطيع الوطني بعد سنوات من الجفاف، فرضت الوقائع على الأرض واقعًا مختلفًا كليًا، بل وصادمًا.
فمع اقتراب عيد الأضحى، عرف الإقبال على محلات الجزارة في مدن كبرى مثل الدار البيضاء والمحمدية ارتفاعًا غير مسبوق، وتحوّلت “الدوارة” و”الكبدة” إلى مواد نادرة وباهظة، لتبلغ الأولى ما بين 600 و700 درهم للكيلوغرام، بينما وصلت الثانية إلى حدود 300 درهمًا، في تصاعد جنوني غير معتاد.
الطلب الكثيف وندرة العرض، الناتجة عن انخفاض عمليات الذبح وإغلاق العديد من المجازر خلال فترة العيد، شكّلا أرضًا خصبة لظهور ما يُشبه الهلع الاستهلاكي. بعض الجزارين لجؤوا إلى فرض “تسبيقات” مسبقة مقابل تسجيل الأسماء في لوائح الانتظار، وكأننا أمام منتج فاخر لا أمام أحشاء خروف.
ووسط هذا الواقع المتأزم، عبّر العديد من المواطنين، خاصة من ذوي الدخل المحدود، عن سخطهم من هذه الأسعار التي تجاوزت ثمن اللحوم الحمراء، معتبرين أن هذه الظروف سلبت من العيد طقوسه ومعانيه الروحية، وحوّلته إلى سباق محموم نحو الشراء بأي ثمن.
فهل يعقل أن تشتعل الأسعار بهذا الشكل في عام استثنائي؟
مهنيون في قطاع اللحوم دقوا ناقوس الخطر، معتبرين أن هذا الاستهلاك العشوائي لا يُهدد فقط القدرة الشرائية، بل يُعمّق من أزمة القطيع الوطني، ويدفع بالبلاد نحو دورة جديدة من الندرة وغلاء الأسعار.
إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد خلل في العرض والطلب، بل هو انعكاس لفقدان البوصلة المجتمعية حين يُستبدل التضامن بالجشع، وتغيب المقاربة الوطنية الشاملة في التعامل مع مناسبات دينية حساسة. إنها لحظة تستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات الوصية، ليس فقط لضبط السوق، بل لإعادة الاعتبار إلى البعد الروحي والاجتماعي لهذا العيد، بعيدًا عن منطق التخزين والمضاربة.