منذ بداية شهر أبريل، تحول مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة إلى مسرح لمعاناة إنسانية صامتة يعيشها مئات الحجاج المغاربة، الذين وجدوا أنفسهم عالقين في ظروف غير إنسانية في انتظار رحلات عودتهم. دون غذاء، دون دواء، ودون أي توضيحات، أصبحت معاناتهم مادة حية تتداولها شبكات التواصل الاجتماعي وسط غضب واسع داخل المغرب وخارجه.
المشاهد التي انتشرت مؤخرًا مؤلمة للغاية. نساء، مسنون، ومرضى ينامون على الأرض في قاعات الانتظار دون أدنى مقومات الراحة، ودون الولوج إلى أدويتهم أو حتى الماء. إحدى الحاجات صرحت في مقطع مصور: “لم يتبق معنا مال، أدوية المرضى نفدت، لا طعام ولا شراب… نحن حوالي 400 شخص ننتظر أن نعود إلى وطننا… هذا عبث”.
في مواجهة هذا الوضع الكارثي، حمّل القنصل العام للمغرب في جدة، عبد الإله أودادس، شركة “مناسِك للطيران” السعودية المسؤولية الكاملة. هذه الشركة التي تأسست سنة 2021 لا تمتلك طائرات خاصة بها، وتعتمد فقط على استئجار الطائرات. رغم سوء سمعتها، وقّعت بعض الوكالات المغربية عقوداً معها بسبب أسعارها المنخفضة، وهو ما يعتبره كثيرون تصرفاً غير مسؤول.
وأكد القنصل أن السلطات السعودية، ممثلة في وزارة الحج والطيران المدني، استدعت مالك الشركة في حضور القنصلية المغربية، غير أن التبريرات المقدمة لم تكن مقنعة. الأسوأ من ذلك أن الشركة لا تزال تواصل رحلاتها وتنقل أكثر من 1500 حاج، في وقت لم تعالج فيه أزمة الحجاج العالقين.
وما زاد الطين بلة هو صمت “مناسِك للطيران” وعدم إصدارها أي بيان رسمي، عكس ما قامت به في أزمات سابقة، ما زاد من شعور الحجاج بالتجاهل والتخلي.
هذه الأزمة تثير أيضاً تساؤلات حول دور السلطات السعودية، باعتبارها مستفيدة من العوائد الاقتصادية الكبرى للحج والعمرة. ويرى عدد من النشطاء أن من واجب المملكة السعودية، باعتبارها حاضنة الحرمين الشريفين، أن تتحمل مسؤولية توفير الإقامة، والتغذية، والمساعدة الطبية للحجاج العالقين إلى حين حل مشكلاتهم، لأنها مسؤولية أخلاقية ودينية.
ومع اقتراب موسم الحج، فإن هذه الفضيحة تلقي بظلالها على ثقة الحجاج وعائلاتهم، وتدفع الجميع إلى المطالبة بتنسيق مغربي-سعودي حازم لتفادي تكرار هذه المآسي مستقبلاً.