بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من مايو، كشفت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF) عن تصنيفها السنوي لعام 2025، والذي حمل أنباء إيجابية نسبية للمغرب، حيث تقدم بتسع مراتب مقارنة بالسنة الماضية، ليحتل المركز 120 من أصل 180 دولة، بعدما كان في المرتبة 129 سنة 2024.
هذا التقدم، وإن كان متواضعًا، يأتي في سياق إقليمي متوتر، حيث تعاني أغلب دول المنطقة من تراجع كبير في مؤشرات حرية التعبير وحرية الصحافة. فقد تجاوز المغرب في هذا التصنيف عددًا من الدول العربية، من بينها الجزائر (126)، وتونس التي شهدت تراجعًا دراماتيكيًا بخسارتها 11 مرتبة دفعة واحدة لتستقر في المرتبة 129، نتيجة تفاقم الأزمة السياسية وتأثيرها المباشر على الإعلام المستقل.
ورغم هذا التحسن النسبي، لا تزال حرية الصحافة في المغرب تواجه تحديات كبرى، في مقدمتها الضغوط السياسية والمؤسساتية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تهدد استمرارية عدد من المنابر الإعلامية المستقلة.
وفي تقريرها، رسمت RSF صورة قاتمة عن حرية الصحافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، حيث تواصل فلسطين (163) ومصر (170) والإمارات (164) احتلال مراكز متأخرة جدًا، نتيجة الانتهاكات الممنهجة، سواء عبر الاستهداف العسكري المباشر للصحفيين في غزة، أو القوانين القمعية والتضييق القضائي والإداري.
أما في الجزائر، ورغم تسجيل تحسن طفيف في الترتيب، فإن منظمة “مراسلون بلا حدود” تؤكد أن القضاء لا يزال يُستغل كوسيلة لقمع حرية التعبير وتكميم الأفواه. فإلى جانب الإفراج عن الصحفي إحسان القاضي بعد قضائه 22 شهرًا خلف القضبان، تبرز حالات أكثر خطورة، حيث صدرت أحكام بالإعدام بحق صحفيين جزائريين فارين، ما اضطرهم إلى الفرار نحو فرنسا طلبًا للجوء والحماية. وضع يعكس البيئة القمعية التي تلاحق الصحفيين حتى خارج حدود الوطن، ويطرح تساؤلات جدية حول واقع حرية الإعلام في بلد يواصل تصدير أزماته إلى منابر الخارج.
اللافت في التصنيف أن بعض الأنظمة الخليجية، رغم وفرة الموارد والتطور الاقتصادي، ما زالت تسجل نتائج متدنية جدًا في حرية الصحافة، في غياب الضمانات المؤسساتية والتشريعية، مثل السعودية (162) والكويت (128) وعُمان (134).
ورغم أن تقدم المغرب في التصنيف يعدّ مؤشرًا إيجابيًا، فإن ذلك لا يعني غياب التحديات البنيوية. فما زالت مسألة استقلالية التحرير، والتعددية الإعلامية، والوضعية الاجتماعية للصحفيين، وضعف دعم الدولة للمشهد الإعلامي الوطني تمثل تحديات جوهرية لا يمكن تجاوزها إلا بإصلاحات شاملة.
إن الترتيب في حد ذاته ليس غاية، بل هو مرآة لحالة المجتمع، وخصوصًا قدرته على احتضان الرأي الآخر، وضمان صحافة قوية وحرة ومستقلة.