كان قطاع التموين و الحفلات في المغرب، في السابق، من القطاعات المزدهرة التي تشكل قلب المناسبات الكبرى والاحتفالات، لكنه اليوم يواجه صعوبات جمة في استعادة عافيته بعد الضربة القوية التي تلقاها جراء جائحة كوفيد-19. فعلى الرغم من إعادة فتح الاقتصاد، يجد المهنيون في هذا المجال أنفسهم عاجزين عن استعادة الإيقاع الذي كانوا عليه سابقًا، بسبب التضخم المتسارع وتغيرات جذرية في عادات الاستهلاك.
توقف دام 18 شهرًا: خسائر فادحة وتحديات مستمرة
خلال 18 شهرًا من التوقف الإجباري بسبب القيود الصحية، عانى الممونون من خسائر جسيمة. فقد فقدوا زبائنهم، وتراكمت عليهم الديون، وأصبحت معداتهم غير مستخدمة، بينما اضطر العديد من العاملين في هذا القطاع إلى تغيير مهنهم بحثًا عن مصادر رزق بديلة. لكن الأزمة لم تقتصر على هذه الخسائر المباشرة، بل امتدت إلى تغيير عميق في سلوك الزبائن. فالاحتفالات الكبرى التي كانت تجمع 300 مدعو في حفلات الزفاف، على سبيل المثال، تحولت إلى مناسبات أكثر خصوصية لا تتجاوز أحيانًا 100 شخص. كما قلصت الشركات والإدارات العامة من طلباتها بشكل كبير، مفضلة خيارات أقل تكلفة أو تقليص ميزانياتها.
ارتفاع التكاليف يهدد استمرارية القطاع
في ظل تراجع عدد الزبائن، يواجه الممون ارتفاعًا صاروخيًا في تكاليف الإنتاج. فالمواد الأساسية مثل الزيت، الزبدة، الخضروات، اللحوم، الشوكولاتة، والكريمة شهدت زيادات كبيرة في الأسعار. ونتيجة لذلك، اضطر المهني إلى رفع أسعار خدماته، مما أدى إلى نفور الزبائن أكثر، وخلق حلقة مفرغة تهدد استدامة العديد من هذه المؤسسات.
الصفقات العمومية: تحيز يضر بالمهنيين
يواجه المهنيون في هذا القطاع تحديًا آخر يتمثل في طريقة توزيع الصفقات العمومية. فقد اعتمدت العديد من الإدارات والمؤسسات العامة منصات جديدة لاختيار مزودي الخدمات، لكن هذه المنصات تعاني من انحرافات كبيرة. فبدلاً من التعاقد مباشرة مع الممون المختص، غالبًا ما تفوز شركات تجارية أو شركات تواصل بالعقود، وهي شركات لا تملك أي خبرة في المجال الغذائي. هذه الشركات تقوم بدورها بالتكليف الفرعي للممون بأسعار زهيدة، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات ويضر بمهنية القطاع.
رمضان: المنافسة غير العادلة تُفاقم الأزمة
كان شهر رمضان في السابق موسمًا ذهبيًا لمنظمي الحفلات، لكنه تحول اليوم إلى كابوس بسبب انتشار البيع المنزلي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أصبح الزبائن يفضلون الشراء من أفراد غير مسجلين يقومون بتحضير الأطباق والحلويات في منازلهم دون الالتزام بالمعايير الصحية أو دفع الضرائب والرسوم. هؤلاء البائعون غير القانونيين يقدمون أسعارًا منخفضة جدًا، مما يجعل من المستحيل على الممون المختص منافستهم.
صرخة استغاثة دون استجابة
أمام هذه الأزمة، رفعت الفدرالية المغربية للممونين المهنيين صوتها مرارًا للمطالبة بالدعم من السلطات، لكنها لم تجد سوى اللامبالاة. فالبائعون غير القانونيين الذين يعملون من منازلهم يظلون خارج دائرة المراقبة، إذ تمنع القوانين السلطات من دخول المنازل الخاصة دون إجراءات قضائية معقدة. هذا الوضع يترك المختصون في موقف صعب، حيث تتحمل كل الأعباء القانونية والضريبية بينما يزدهر هؤلاء البائعون في ظل غياب أي تنظيم.
مستقبل القطاع على المحك
إذا استمر هذا الوضع دون تدخل حاسم من السلطات، فإن قطاع التموين و الحفلات، الذي يمثل جزءًا هامًا من التراث والاقتصاد المغربي، قد يواجه خطر الانهيار. فمن سيحمي هؤلاء المهنيين من المنافسة غير العادلة، التضخم الخانق، والتحيز في الصفقات العمومية؟ الوقت ينفد، وهناك حاجة ماسة إلى وعي أكبر من السلطات وإلى قوانين صارمة لتنظيم هذه الممارسات، وإلا فإن آلاف الوظائف وجزءًا من الاقتصاد الوطني قد يختفي