كشفت مبادرة “نبض العرب”، في تحليل حديث يستند إلى بيانات الباروميتر العربي، عن تباين واضح في نظرة الشعوب العربية تجاه منظمة الأمم المتحدة، في انعكاس مباشر لانقسامات إقليمية وأولويات وطنية مختلفة. التحليل الذي أعدّته الباحثة دانا أبو حلتم ونشره الموقع الرسمي لـ”الباروميتر العربي”، يُظهر أن الدعم الشعبي للأمم المتحدة يختلف بشكل كبير من دولة عربية إلى أخرى، وفقًا للسياقات السياسية والاجتماعية المحلية، ومدى ارتباط المنظمة الدولية بالقضايا الجوهرية التي تهمّ المواطنين.
ففي دول مثل فلسطين والعراق وتونس وليبيا، يُسجَّل مستوى تأييد منخفض للمنظمة، وهو ما يُفسَّر بتراكم الإحباط من أدائها في التعاطي مع النزاعات والقضايا المحلية. وعلى النقيض من ذلك، فإن دولًا مثل الأردن والجزائر والمغرب ولبنان والسودان وموريتانيا تُظهر معدلات تأييد مرتفعة نسبيًا، ما يعكس وجود ثقة – ولو محدودة – في قدرة الأمم المتحدة على التأثير الإيجابي، أو ربما نتيجة لتوقعات متفائلة من دورها المستقبلي.
الأولويات التي تُطالب الشعوب العربية بها الأمم المتحدة
أبرز التحليل قضيتين تحوزان على اهتمام بالغ لدى المواطن العربي: حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومكافحة الفساد. ورغم أن هناك اتفاقًا عامًا حول أهمية هذين الملفين، فإن أولوية التركيز تختلف من بلد لآخر.
في فلسطين، يرى 52% من المواطنين أن القضية الفلسطينية يجب أن تكون الأولوية القصوى للأمم المتحدة، وهو ما يشاركه 37% من الأردنيين و33% من التونسيين. هذا التركيز يعكس عمق الجرح الفلسطيني، وامتداد تأثير الصراع في الوعي الجمعي لدول الجوار.
في المقابل، تأتي مكافحة الفساد على رأس أولويات شعوب دول مثل لبنان (52%)، موريتانيا (38%)، العراق (37%)، المغرب (29%)، والسودان (24%). هذا التوجه يعكس استياءً متزايدًا من ممارسات الحكومات، وافتقارًا للشفافية، وغيابًا للمحاسبة، وهو ما يجعل من الفساد العائق الأكبر أمام التنمية والاستقرار.
أما في ليبيا، فالوضع مختلف. إذ يرى المواطنون أن معالجة النزاعات المسلحة المستمرة في ليبيا وسوريا واليمن هي الأولوية الأولى، في ظل الانقسامات الداخلية وتدهور الأوضاع الأمنية، وهو أمر منطقي بالنظر إلى أن شعوب الدول التي تعيش في نزاع مسلح تعتبر إنهاء هذه النزاعات مسألة وجودية.
من خلال هذا المشهد المتنوع، يتضح أن نظرة الشعوب العربية إلى الأمم المتحدة ليست موحدة، بل ترتبط بدرجة أساسية بمدى فعالية المنظمة في التصدي للقضايا المحلية التي تمس حياة الناس مباشرة. في البلدان التي لم تلمس شعوبها تدخلًا فاعلًا للأمم المتحدة، تتزايد مشاعر الإحباط، فيما تتزايد التوقعات في الدول التي ترى في المنظمة أملاً في التغيير.
إذا أرادت الأمم المتحدة استعادة ثقة الشعوب العربية، فعليها أن تنتقل من الحياد الخطابي إلى الفعل الميداني، خصوصًا في الملفات الأكثر حساسية: النزاع الفلسطيني، الأزمات الداخلية في ليبيا وسوريا، ومحاربة الفساد المزمن. فغياب التفاعل الجاد والملموس من المنظمة لن يؤدي إلا إلى اتساع فجوة الثقة، وربما انحسار شرعيتها في عيون الشعوب التي تعاني من الظلم، والإقصاء، والفوضى.
كما أن الحفاظ على رضا شعوب الدول التي لا تزال تثق نسبيًا في الأمم المتحدة، يستوجب من هذه الأخيرة تجنب الانتقائية في الملفات، وتبني مقاربات عادلة وشفافة تستند إلى حقوق الإنسان والعدالة الدولية.
.