وسط صحراء قاحلة، وتحت خيام بالية وأكواخ من طين، يمضي آلاف الصحراويين حياتهم في مخيمات تندوف منذ أكثر من خمسين عامًا، بلا وطن حقيقي، بلا مستقبل، وبلا أمل.
هؤلاء الذين وُلدوا وكبروا هناك لا يعرفون من العالم سوى هذا الركن المنسي، يعيشون على شحنات مياه متناثرة ومساعدات غذائية موسمية، تحت نظام ميليشيوي صارم، لا يرحم أحلامهم ولا يعترف بحقهم في اختيار مصيرهم.
الكاتب الموريتاني مبارك ولد بيروك، في مقال له بمجلة “جون أفريك”، رسم صورة قاتمة لهذا الواقع، ودق ناقوس الخطر داعيًا إلى إنهاء هذا الصراع العبثي الذي لم يعد يخدم إلا صانعيه.
جيل كامل من أبناء المخيمات نشأ وهو يرى نخبة صغيرة – تُلقب بـ”امتيازات الرابوني” – تحتكر السلطة والثروات، وتتنقل بين العواصم، بينما بقية السكان غارقون في البؤس، ينتظرون وعودًا كاذبة بدولة لم تولد ولن تولد.
بل إن المأساة تتجاوز حدود الانتظار القاتل، لتتحول إلى عملية احتجاز جماعي لشعب بأكمله رغماً عن إرادته، حيث يتم استخدام هؤلاء المحتجزين كورقة ضغط للاستفادة من المساعدات الإنسانية الدولية. مساعدات يُفترض أن تخفف معاناتهم، لكنها تتحول إلى مصدر ثراء لنخب فاسدة، تتقاسم الغنائم فيما يبقى الشعب أسير الخيام والمجهول.
من يصدق اليوم أحلام “الدولة الصحراوية” سوى قلة من الشيوخ الذين أنهكهم الانتظار؟
الشباب، كما ينقل التقرير، لا يشاهدون قنوات البوليساريو ولا يؤمنون بشعاراتها. ما يعيشونه يوميًا هو موت بطيء للآمال، واختناق للثقافة، وانطفاء للهوية الدينية والاجتماعية.
الجزائر، التي كانت وما تزال الراعية الكبرى لهذا المشروع، لم تعد تخفي حقيقة أن الحل العسكري غير وارد. حتى بعض قادة البوليساريو المنشقين الذين عادوا إلى المغرب سمعوا ذلك صريحًا من مسؤولين جزائريين: “لا تراهنوا على نصر ضد المغرب”.
في المقابل، يواصل المغرب ترسيخ وجوده في أقاليمه الجنوبية عبر مشاريع تنموية واستثمارات ضخمة ودعم دبلوماسي يتسع دوليًا، مع تراجع متواصل في صفوف الدول التي كانت تدعم الكيان الانفصالي.
من حقنا أن نتساءل اليوم: ما هو مستقبل هؤلاء المحتجزين؟ إلى متى يستمر هذا العبث بمصير آلاف البشر؟
فيما العالم يعترف أكثر فأكثر بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وعادل، تظل مخيمات تندوف شاهدة على مأساة إنسانية صامتة، لا تقل قسوة عن أي نزاع دامٍ في هذا العالم.
كما يؤكد مبارك ولد بيروك، لا يمكن للقانون الدولي أن يكون ذريعة لإبقاء شعب بأكمله معلقًا بين الفقر والتشرد، إلى ما لا نهاية.
الوقت قد حان لإنقاذ هذه الأرواح من الانتظار العبثي، ولفتح أبواب السلام والتنمية أمام أجيال ضاعت بين وعود كاذبة وأطماع مستمرة لا تعرف الرحمة.
هذا ما ورث كبرنات الجزائر من بوخروبة والقدافي مخيمات العار والذل الشيء الذي كيف الكثير من المال عبىء ثقيل على خزينة الشعب الجزائري