شهدت العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً توقيع اتفاقية تعاون مهمة بين ثلاث مؤسسات عالمية ومحلية رائدة، حيث وقعت منظمة اليونسكو الدولية مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط اتفاقاً استراتيجياً يمتد حتى عام 2027 بتمويل يصل إلى 6 مليون دولار أمريكي.
تهدف هذه الشراكة الثلاثية إلى إنشاء منصة متطورة مخصصة لدعم أجندات التنمية المستدامة في القارة الأفريقية، مع التركيز على دمج مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا والتراث الثقافي كمحركات أساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي. وقع الاتفاقية كل من مصطفى التراب رئيس مجموعة OCP وأودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو، مؤكدين على الالتزام المشترك لمواجهة التحديات الأفريقية المعاصرة.
تعتمد المبادرة على خبرة تعاون تمتد لأكثر من 7 سنوات بين هذه المؤسسات، حيث بدأت الشراكة في عام 2017 وتطورت تدريجياً لتصبح نموذجاً متميزاً في مجال التعاون الدولي. تركز الاستراتيجية الجديدة على خمسة محاور رئيسية تشمل الذكاء الاصطناعي والتعليم العالي والتاريخ الأفريقي والتراث الثقافي والقضايا البيئية، مع إعطاء كل محور مرونة في التنفيذ والحكامة حسب متطلباته الخاصة.
في مجال الذكاء الاصطناعي، تسعى الشراكة إلى تطبيق “التوافق الإفريقي للرباط بشأن الذكاء الاصطناعي” من خلال تطوير برامج تدريبية متخصصة تناسب الواقع الإقليمي وتعزز البحث التطبيقي في هذا المجال المتقدم. الهدف الأساسي هو تمكين الدول الأفريقية من امتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي بدلاً من مجرد استهلاكها، مما يضمن السيادة التقنية والقدرة على تحديد الأولويات والحدود الأخلاقية للتطبيق.
أما في التعليم العالي، فتركز الشراكة على تسهيل التبادل الأكاديمي بين الجامعات الأفريقية وتطوير أنظمة تعليمية أقل اعتماداً على النماذج المستوردة. ستعمل منصة “Campus Africa” التي طورتها اليونسكو كأداة أساسية لتشجيع التعاون الأفقي وتبادل المواهب والمعارف بين المؤسسات التعليمية الأفريقية، مع التركيز على بناء قدرات مؤسساتية متجذرة محلياً ومتصلة عالمياً.
يشكل إدماج برنامج “التاريخ العام لأفريقيا” الذي تقوده اليونسكو عنصراً مهماً في هذه الاستراتيجية، حيث يهدف إلى مساعدة الجامعات الأفريقية في دمج هذا البرنامج التاريخي المتميز في مناهجها الأكاديمية. سيتم توفير مواد تعليمية متعددة اللغات وتدريب الأساتذة وتطوير أدوات متابعة وتقييم لضمان التطبيق الفعال لهذا المشروع التعليمي الطموح.
تركز مبادرة “موروث” المخصصة للتراث الثقافي على بناء شبكة أفريقية من المختصين في مجال حفظ التراث، مع اعتماد نهج مجتمعي ومتعدد التخصصات يشمل التراث المادي وغير المادي. من خلال برامج تدريبية متخصصة وأدوات تشخيص محلية وتبادل خبرات بين المؤسسات، يطمح البرنامج إلى تطوير قدرات إدارة التراث بشكل تقني متقدم ومتجذر اجتماعياً.
في المجال البيئي، تعتمد الشراكة على منهجية المشاريع التجريبية في مناطق محمية مختارة عبر القارة الأفريقية، حيث ستكون هذه المناطق مواقع اختبار لمشاريع استعادة بيئية متكاملة تربط بين حماية التنوع البيولوجي والتكيف مع التغير المناخي والتنمية الاقتصادية المحلية. الهدف هو تطوير نماذج قابلة للتطبيق تحقق نتائج بيئية إيجابية مع توليد دخل وتنويع مصادر العيش للمجتمعات المحلية.
يعبر مصطفى التراب عن رؤيته للشراكة قائلاً أنها محرك حقيقي للتأثير والابتكار في خدمة القارة الأفريقية، مؤكداً على أهمية توحيد الجهود حول محاور بنيوية مثل الذكاء الاصطناعي والتنمية المستدامة والثقافة والتعليم العالي لمواكبة التحولات العميقة التي تشهدها القارة. من جانبها، تؤكد أودري أزولاي أن أفريقيا تقع في صلب مهمة وأولويات اليونسكو، وأن الشراكة مع OCP وجامعة محمد السادس التقنية تمثل استثماراً حقيقياً في المعرفة والمجتمعات والمناطق الجغرافية.
تعكس هذه الشراكة الجديدة قناعة مشتركة بأن تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا يعتمد على التكامل بين إنتاج المعرفة والتصميم المؤسساتي والجدوى التشغيلية، بدلاً من الاعتماد على مشاريع معزولة. هذا النهج الشامل يهدف إلى بناء قدرات أفريقية ذاتية ومستدامة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل والاستفادة من الفرص المتاحة في عالم متغير.