على بُعد أربعين كيلومترًا شمال مدينة الداخلة، يتواصل العمل بوتيرة متسارعة لبناء ميناء الداخلة الأطلسي، المشروع الاستراتيجي الضخم الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس سنة 2016، والذي يمثل حجر الزاوية في السياسة الوطنية لتنمية الأقاليم الجنوبية وتحقيق التكامل القاري بين المغرب وبلدان الساحل وإفريقيا الغربية.
يمتد المشروع على مساحة 1650 هكتارًا ويشمل ثلاثة أرصفة: واحد للتجارة ونقل الحاويات، وثانٍ مخصص للصيد البحري، وثالث لأعمال إصلاح السفن، مع جسر بحري بطول 1.3 كيلومتر يربط البنية التحتية باليابسة. ومن المنتظر أن تصل طاقة الميناء الاستيعابية إلى 35 مليون طن سنويًا، ما يجعله من بين أكبر موانئ المملكة.
يُنجز هذا الورش من طرف تحالف مغربي خالص يضم شركتي SGTM وSOMAGEC، ويشارك فيه أكثر من 1700 عامل ومهندس، يُتوقع أن يرتفع العدد إلى 2500 خلال ذروة الأشغال. ويُعتبر المشروع أيضًا رافعة للتكوين ونقل الخبرات، بفضل انخراط واسع للمهندسين الشباب خريجي المدارس المغربية.
لكن الميناء لا يقتصر على الجانب البحري فقط، بل يشمل أيضًا منطقة صناعية ولوجستية خلفية تمتد على 2600 هكتار، تضم وحدات للصناعات التحويلية ومنصات مخصصة لمنتجات البحر، مما يمهد الطريق لنشوء نسيج اقتصادي محلي قوي.
بيئيًا، يراعي المشروع المعايير الدولية، من خلال استخدام الطاقة الشمسية خلال فترة الأشغال واعتماد تدابير دقيقة للحد من التأثيرات البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي.
أما البُعد الجيوستراتيجي، فيظهر من خلال ارتباط الميناء بممرات التجارة جنوب–جنوب، إذ يُنتظر أن يوفر منفذًا بحريًا حيويًا لدول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ويُساهم في إنجاح مشروع منطقة التبادل الحر الإفريقية (ZLECAF) وتعزيز ارتباط المغرب بمشاريع ضخمة مثل أنبوب الغاز مع نيجيريا.
بتكلفة تفوق 12.5 مليار درهم، يرتقب أن يكتمل المشروع سنة 2028، لتبدأ مرحلة التشغيل التدريجي سنة 2029. حينها، لن تكون الداخلة فقط نقطة عبور، بل قطبًا اقتصاديًا قارّيًا يُعيد رسم الخريطة التنموية واللوجستية للمغرب وإفريقيا.