نجح المكتب الوطني للسكك الحديدية في تأمين مصادر تمويل إضافية مهمة لمشروع تطوير النقل الحضري في منطقة الدار البيضاء الكبرى، حيث وقع اتفاقية جديدة مع البنك الألماني للتنمية بقيمة 202 مليون يورو. هذا التمويل يأتي كإضافة قيمة للقرض السابق الذي حصل عليه المكتب من البنك الدولي والذي بلغت قيمته 350 مليون دولار في يونيو الماضي.
المبادرة التمويلية الجديدة تندرج ضمن برنامج شامل يحمل اسم الخدمة الحضرية المقربة، والذي يستهدف إحداث نقلة نوعية في منظومة النقل العمومي لأكبر حاضرة اقتصادية في المملكة. هذا البرنامج الطموح يهدف إلى إعادة تشكيل خريطة التنقل الحضري من خلال تحديث الشبكة السككية القائمة وإدخال تقنيات الكهربة الحديثة على مختلف الخطوط.
الرؤية الاستراتيجية وراء هذا المشروع تتجاوز مجرد تحسين وسائل النقل لتشمل تسهيل وصول المواطنين إلى مراكز العمل والخدمات الأساسية، مما يساهم في تعزيز الحراك الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة. كما يأتي المشروع في إطار الالتزام الوطني بتقليل الانبعاثات الكربونية وتطوير أنظمة نقل صديقة للبيئة قادرة على مواجهة تحديات التغير المناخي.
الاستثمار في قطاع النقل السككي الأخضر يشكل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية للمملكة نحو إزالة الكربون من منظومة التنقل. موقع الدار البيضاء الكبرى كقطب اقتصادي رائد يجعلها النموذج المثالي لتطبيق هذه السياسات المبتكرة في مجال النقل المستدام.
التطوير التقني المخطط له يتضمن رفع وتيرة تشغيل القطارات وتجديد المحطات الموجودة إلى جانب بناء محطات جديدة، بحيث يصبح الوصول إلى المواقع الاستراتيجية ممكنا في أقل من 45 دقيقة. هذا التحسن في زمن الرحلات سيحدث تغييرا جذريا في تجربة الركاب ويشجع على استخدام النقل العمومي بدلا من المركبات الخاصة.
المكون الرئيسي للمشروع يتمثل في إنشاء خط سككي كهربائي بطول 73 كيلومترا يربط وسط الدار البيضاء بالمناطق الضاحية المهمة مثل زناتة والمحمدية والنواصر وبوسكورة. هذا الخط الجديد سيكون مجهزا بأحدث أنظمة الإشارات والتجهيزات الكهربائية المتطورة لضمان مستوى عالي من الأمان والفعالية.
خطة التطوير تشمل أيضا إعادة تأهيل 15 محطة متعددة الوسائط وفقا لأحدث المعايير العالمية، مما يوفر تجربة أفضل للمسافرين ويسهل عمليات الانتقال بين وسائل النقل المختلفة. هذه المحطات الحديثة ستكون مزودة بخدمات متقدمة تلبي احتياجات المسافرين المعاصرين.
الجانب اللوجستي للمشروع لم يغفل عن التطوير، حيث يتضمن تحسين الخدمات في منطقة عين السبع وربطها بالمنطقة اللوجستية الناشئة في زناتة. هذا الربط سيعزز من قدرة المنطقة على التعامل مع تدفقات البضائع ويخفف الضغط على الشبكات الحالية.
تأثير المشروع على نقل البضائع نحو ميناء الدار البيضاء متوقع أن يكون إيجابيا وملموسا، حيث سيساهم في تحسين كفاءة السلسلة اللوجستية وتقليل الاختناقات المرورية في المناطق الحضرية. هذا التطوير سيدعم الموقع الاستراتيجي للدار البيضاء كبوابة تجارية رئيسية للمملكة.
السياق الديموغرافي للمشروع يجعله أكثر إلحاحا، فحسب توقعات البنك الدولي، يعيش حاليا 60 بالمائة من المغاربة في المدن، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع إلى 70 بالمائة بحلول عام 2050. هذا النمو الحضري المتسارع يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للنقل لضمان تنمية اقتصادية مستدامة وتحسين نوعية الحياة للسكان.