يستعد أرخبيل جزر الكناري لدخول حقبة جديدة من التطور الرقمي بفضل مشروع طموح يقوم على مد كابل بحري للألياف الضوئية يربط الجزر الشرقية للأرخبيل بمدينة طرفاية على الساحل المغربي. هذا المشروع الاستراتيجي يضع جزر الكناري في موقع محوري على خريطة الاتصالات العالمية بين القارات الثلاث.
أعلن خوانخو مارتينيز، مستشار الابتكار في مجلس جزيرة تينيريفي، في حديثه مع وسائل إعلام إسبانية أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو إنهاء الاحتكار في قطاع الاتصالات داخل الأرخبيل. من أجل تحقيق هذه الرؤية، تم تأسيس شركة Canalink التي أصبحت اليوم واحدة من أبرز مشغلي الكوابل البحرية في إسبانيا، حيث نجحت في بناء شبكة واسعة تربط الأرخبيل بكل من أوروبا والقارة الإفريقية.
تضم الشبكة الحالية التي أنشأتها Canalink عدة كوابل بحرية تربط بين جزر الأرخبيل نفسه، حيث تم مد خطوط بين تينيريفي وجزر أخرى مثل غراند كناريا ولا بالما. إضافة إلى ذلك، يوجد نظام ثنائي يربط كلا من تينيريفي وغراند كناريا بميناء روتا الواقع في قادس بإسبانيا. المشروع المرتقب سيضيف كابلا جديدا يصل الجزر الشرقية بالأراضي المغربية، بالإضافة إلى خط آخر يربط تينيريفي بجزيرة إل هيرو.
تبلغ قيمة الاستثمار في الكابل البحري المتجه نحو المغرب حوالي 13.5 مليون يورو، منها 7.5 ملايين يورو ممولة من قبل الاتحاد الأوروبي. يسعى القائمون على المشروع إلى تعزيز القدرة التنافسية لجزر الكناري على الصعيد الدولي في مجال الاتصالات الرقمية، خاصة في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية وتصبح السيادة التكنولوجية عنصرا استراتيجيا بالغ الأهمية للمناطق والدول. كما أن هذا المشروع سيساهم بشكل كبير في جذب استثمارات مستقبلية بفضل توفير بنية تحتية رقمية أكثر قوة وموثوقية ومرونة في التعامل مع الطلب المتزايد.
أشار مارتينيز إلى أن هذا الإنجاز سيضع جزر الكناري في مستوى مماثل لأي إقليم قاري من حيث جودة الاتصال الرقمي وسرعته. الكابل الجديد سيمر على مسافة تقل عن 100 كيلومتر من الجزر، مما يضمن كفاءة عالية في نقل البيانات. تم بالفعل التعاقد على تصنيع الكابل، كما أنجزت الدراسات التقنية اللازمة في مدينة طرفاية لتحديد أفضل نقطة للربط، ومن المقرر أن تبدأ عمليات التمديد خلال الربع الثاني من عام 2026.
في الوقت ذاته، يعمل مجلس تينيريفي على إيجاد شركاء استراتيجيين في المملكة المغربية بهدف تسويق الخدمات الرقمية عبر هذا الرابط الجديد، بما يحقق فوائد متبادلة لجزر الكناري والقارة الإفريقية على حد سواء. هذا التعاون سيفتح آفاقا واسعة للتبادل التجاري والتكنولوجي بين الجانبين.
من أهم الميزات التي يوفرها هذا المشروع هي ضمان استمرارية الخدمة والنسخ الاحتياطي للشبكة، حيث يمكن تحويل حركة البيانات عبر مسارات بديلة في حالة حدوث أي انقطاع أو عطل. هذه الخاصية تكتسب أهمية قصوى خاصة خلال انقطاعات الكهرباء أو الأزمات الطارئة. أكد مارتينيز أن شبكة Canalink أثبتت كفاءتها حين تمكنت من الحفاظ على استمرار الخدمة خلال انقطاع سابق حدث في إسبانيا، مما يعكس قوة البنية التحتية البحرية المتعددة الكوابل ومرونتها في التعامل مع الأزمات.
تحظى العلاقات مع القارة الإفريقية بأهمية استراتيجية كبيرة، إذ أن شركات كبرى في موريتانيا تستخدم بالفعل شبكة Canalink، مما يعزز من المكانة الدولية لجزر الكناري ويفتح أمامها فرصا جديدة في مجال الأعمال الرقمية والتجارة الإلكترونية. تجدر الإشارة إلى أن الكوابل البحرية تنقل أكثر من 99 بالمئة من حركة الإنترنت على مستوى العالم، لذا فهي تشكل بنية تحتية حيوية لا غنى عنها للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية لأي منطقة أو دولة.
المشروع لا يقتصر فقط على الربط مع المغرب، بل يعمل مجلس تينيريفي على إنشاء نقطة وصول محايدة داخل جزر الكناري لضمان استمرار عمل الشبكات المحلية حتى في حالة حدوث أي انقطاع في الاتصال الخارجي. هذا الإجراء سيضمن بقاء الخدمات الحيوية، وبشكل خاص خدمات الطوارئ، نشطة وفعالة حتى عند تعطل الاتصال مع الخارج.
تخطط السلطات المحلية لتعزيز الاستثمار في مراكز البيانات والمحطات الفضائية، بالإضافة إلى تقوية شبكات الألياف الأرضية، مما سيساهم في رفع كفاءة واستدامة الاتصال الرقمي في الأرخبيل بأكمله. هذه الاستثمارات المستقبلية ستجعل من جزر الكناري مركزا تكنولوجيا متقدما يربط بين ثلاث قارات ويخدم احتياجات الاتصالات الحديثة.











