لم يكن تتويج منتخب المغرب لأقل من 20 سنة بكأس العالم صدفة عابرة، بل محطة جديدة في مسار بدأ منذ قرابة عقدين، تقوده رؤية ملكية تعتبر الرياضة رافعةً للتنمية والاندماج، وتترجمه استراتيجية اتحادية متماسكة تجعل من التكوين والحوكمة والبنية التحتية أركانًا ثابتة. فبعد انتصار الأشبال 2-0 على الأرجنتين في نهائي مونديال تشيلي، بدا واضحًا أن المغرب يمتلك اليوم “مشتلًا” حقيقيًا للمواهب، وخارطة طريق تجعل الأداء الاستثنائي قاعدةً لا استثناء.
منذ “المناظرات الوطنية للرياضة” (2008)، ومرورًا بإحداث أكاديمية محمد السادس لكرة القدم (2009)، تراكمت لبنات مشروع طويل النفس: مراكز جهوية، ملاعب حديثة، مسابقات فئات صغرى مُمكنة، وأطر تقنية تجمع بين الخبرة المحلية والخدمات الداعمة (طب رياضي، تغذية، إعداد ذهني). هذه السلسلة المتكاملة أنجبت جيلاً يعرف كيف ينافس في أعلى المستويات: نصف نهائي “مونديال قطر 2022” مع المنتخب الأول، برونزية الأولمبياد مع منتخب أقل من 23 عامًا، ثم اللقب العالمي لفئة أقل من 20 سنة—سلسلة نتائج تكشف عن عمق قاعدة التكوين واتساعها.
الرؤية الملكية جعلت كرة القدم مدرسة مواطنة قبل أن تكون منصّة ألقاب: انضباط، التزام، واستمرارية تعليمية داخل مؤسسات التكوين. في صلب هذه المنظومة تقف أكاديمية محمد السادس كـ“حاضنة” تُزاوج بين الامتياز الدراسي والصرامة الرياضية، وتحوّل المواهب الخام إلى لاعبين متكاملين بدنيًا وذهنيًا وتكتيكيًا. خريجوها يغذّون المنتخبات والبطولات المحلية، ويرفعون منسوب التنافسية ويضمنون الاستدامة: حين يصعد جيلٌ إلى المنتخب الأول، يكون جيلٌ تالٍ قد أتمّ سلّمه التدريبي.
ومع اتساع قاعدة الكشف، لم يعد الأثر مقتصرًا على الذكور؛ فمسارات كرة القدم النسوية تتقدم بالوتيرة نفسها، ضمن مقاربة إدماجية تتيح لآلاف الفتيات والفتيان من أحياء شعبية وقرى نائية الولوج إلى منظومة احترافية تمنح الرياضة معنى اجتماعيًا وفرصًا اقتصادية.
على أعتاب 2030، والمغرب شريكٌ في تنظيم كأس العالم مع إسبانيا والبرتغال، تتقدم الأجندة الاتحادية ببرامج تأطير للأجيال المتدرجة (U20 وU23) لتشكيل نواة المنتخب الأول، مع مواصلة تحديث الملاعب والحكامة والمسابقات. لم يعد المغرب “حصانًا أسود” يربك الكبار، بل قوّة كروية صاعدة بثبات، تمتلك مشروعًا قابلًا للقياس والتقويم وإعادة الإنتاج. تتويج الأشبال ليس خاتمة، بل برهانٌ جديد على أن الاستثمار المنظّم في القاعدة—بدعم رؤية ملكية استباقية—هو أقصر الطرق إلى القمم.