كشف وزير النقل واللوجيستيك المغربي عبد الصمد قيوح عن مشروع ضخم لتطوير البنية التحتية للنقل السككي في المملكة، حيث أعلن أمام مجلس النواب يوم الاثنين الموافق للسابع والعشرين من أكتوبر عن خطة طموحة تهدف إلى تعزيز الأسطول الوطني للقطارات استعداداً للاستحقاقات الكبرى التي ستستضيفها البلاد خلال السنوات المقبلة.
المشروع الذي يشرف على تنفيذه المكتب الوطني للسكك الحديدية يتضمن اقتناء 168 قطاراً جديداً بحلول عام 2030، من بينها 18 قطاراً من فئة القطارات الفائقة السرعة التي ستضاف إلى الشبكة الحالية. هذه الخطوة الاستراتيجية تأتي في إطار التحضيرات الجارية لاستقبال بطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة في 2030، والتي سيشارك المغرب في تنظيمها إلى جانب إسبانيا والبرتغال، بالإضافة إلى التظاهرات الرياضية والثقافية الكبرى التي ستشهدها المملكة على المستويين القاري والدولي.
جاءت هذه التصريحات الوزارية رداً على استفسار تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة البرلماني حول الإجراءات والتدابير المعتمدة لتحديث وتطوير منظومة النقل السككي الوطنية. الوزير أكد أن هذا الاستثمار الضخم يهدف بالأساس إلى المساهمة الفعالة في إنجاح تنظيم واستضافة المنافسات العالمية التي ستجعل من المغرب مركزاً لاستقطاب الفعاليات الدولية الكبرى خلال الفترة المقبلة.
لا يقتصر المشروع على اقتناء قطارات جديدة فحسب، بل يشمل أيضاً عملية تحديث شاملة للعتاد الحالي، حيث كشف المسؤول الحكومي عن خطة لتجديد 346 عربة قطار من الأسطول القائم، مع اقتناء 60 عربة إضافية جديدة كلياً. هذا التحديث الواسع يعكس الإرادة الجادة لتحسين جودة الخدمات المقدمة للمسافرين ورفع مستوى الراحة والأمان خلال رحلاتهم عبر مختلف خطوط السكك الحديدية في البلاد.
البرنامج الطموح يتضمن كذلك تعزيز القدرات التشغيلية من خلال شراء 30 قاطرة حديثة من الجيل الجديد، تتميز بتقنيات متطورة حيث تكون مجهزة بأنظمة التوليد الكهربائي بقوة 380 فولت. هذا التحول نحو التكنولوجيا الحديثة في مجال القطر يندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تحسين الأداء التشغيلي وتقليل التكاليف التشغيلية على المدى الطويل، مع ضمان الاستدامة البيئية من خلال الاعتماد على حلول الطاقة النظيفة.
من جهته، أبدى فريق الأصالة والمعاصرة البرلماني تحفظات بشأن الوضع الحالي لأسطول القطارات الوطني، معتبراً أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة تؤثر سلباً على راحة المسافرين ومستوى الخدمات المقدمة. الفريق البرلماني لفت الانتباه إلى نقطة حساسة تتعلق بالتغطية الجغرافية للشبكة السككية، حيث أشار إلى أن العديد من المناطق الحيوية في المملكة لا تزال محرومة من خدمات النقل عبر القطارات، مستشهداً بجهة سوس ماسة كمثال بارز على هذا النقص في التغطية.
هذه الملاحظات البرلمانية تكشف عن إشكالية حقيقية تتعلق بالعدالة المجالية في توزيع خدمات النقل السككي، حيث تبقى بعض الجهات الاقتصادية والسياحية المهمة بعيدة عن الاستفادة من هذا النمط الحيوي من وسائل النقل. جهة سوس ماسة على وجه الخصوص، التي تضم مدينة أگادير السياحية الكبرى ومناطق فلاحية وصناعية مهمة، تنتظر منذ سنوات ربطها بالشبكة الوطنية للسكك الحديدية لتسهيل حركة المسافرين والبضائع.
شدد النواب البرلمانيون على الحاجة الملحة لمضاعفة الجهود المبذولة في مجال تحديث وتجديد المنظومة السككية الوطنية، وذلك استجابة لتطلعات المواطنين الذين يطالبون بخدمات نقل عصرية وموثوقة. هذا المطلب يكتسب أهمية مضاعفة في ظل التحضيرات الجارية لاستقبال المنافسات العالمية الكبرى، حيث سيكون النقل السككي أحد العناصر الأساسية لضمان نجاح هذه التظاهرات وتقديم صورة إيجابية عن البلاد أمام الزوار والمشاركين من مختلف أنحاء العالم.
المشروع الوطني لتطوير السكك الحديدية يأتي ضمن رؤية شاملة لتحديث البنية التحتية للنقل في المغرب، والتي تشمل أيضاً تطوير الموانئ والمطارات والطرق السيارة. هذه الاستثمارات الضخمة تعكس طموح المملكة لتحويل موقعها الجغرافي الاستراتيجي إلى رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تسهيل حركة الأشخاص والبضائع داخلياً وخارجياً.
النجاح في تنفيذ هذا المشروع الطموح سيضع المغرب في مصاف الدول المتقدمة في مجال النقل السككي، ويعزز من قدرته التنافسية على المستوى الإقليمي والدولي. القطارات الفائقة السرعة خاصة ستساهم في تقليص المسافات الزمنية بين المدن الكبرى وتشجيع استخدام وسائل النقل الجماعية الصديقة للبيئة، ما يتماشى مع التزامات المملكة في مجال مكافحة التغيرات المناخية.










