في وقت تُبقي فيه المغرب والجزائر حدودهما مغلقة وعلاقاتهما مجمدة منذ سنوات، تُعيد عملية صيانة مقر السفارة الجزائرية في العاصمة الرباط طرح تساؤلات جوهرية حول النوايا الحقيقية وراء هذا التحرك، واحترام السيادة الوطنية، خاصة في ظل غياب أي تنسيق رسمي مع السلطات المغربية.
رغم أن الجزائر أعلنت أن القرار يدخل ضمن “حقوقها السيادية” وفق اتفاقية فيينا، إلا أن الجهات المختصة في الرباط ترى أن الوضع بين البلدين لا يُشبه العلاقات العادية بين الدول. فغياب التمثيل الدبلوماسي الفعلي، وانقطاع العلاقات منذ 2021، يجعل من وجود بعثة دبلوماسية جزائرية في المغرب أمراً استثنائياً، لا ينبغي أن يُستغل لممارسة خطوات أحادية تمس بالسيادة المغربية.
السفارة الجزائرية في الرباط، التي لم تُقدّم أي نشاط دبلوماسي فعلي منذ سنوات، بقيت كمبنى رمزي فقط، في حين تُدير الجزائر شؤون مواطنيها من خارج المغرب عبر قنوات غير مباشرة. لكن بدء أعمال صيانة وتجديد واسعة في المبنى، دون إشعار مسبق أو تنسيق مع الجهات المحلية، أثار استغراباً في أوساط دبلوماسية مغربية.
تؤكد مصادر مطلعة أن الدولة المضيفة، أي المغرب، لها كامل الحق في مطالبة أي بعثة دبلوماسية بالتقيد بالقوانين المحلية، خصوصاً في ما يتعلق بأعمال البناء والترميم، حتى لو كانت تُنفّذ داخل مقر دبلوماسي. فاتفاقية فيينا، التي تُستند إليها الجزائر، لا تعفي من واجب التنسيق والشفافية، خصوصاً في ملفات قد تمس بأمن المحيط الحضري أو تثير شكوكاً حول طبيعة الاستخدام المستقبلي للمبنى.
السؤال الذي يطرحه نفسه: لماذا الآن؟ ولماذا بهذه الطريقة؟
فإذا كان الهدف فعلاً هو الحفاظ على الممتلكات، فلماذا لم تُعلن الجزائر عن هذه العملية مسبقاً؟ ولماذا لم تُشرك الجهات المختصة في الرباط، خصوصاً أن أي تدخل في البناء يتطلب رخصاً تقنية وبيئية في أي دولة محترمة لسيادتها؟
في المقابل، ترى بعض التحليلات أن هذه الخطوة قد تكون لها دلالات رمزية أكثر من كونها تقنية، وتُقرأ في سياق محاولة الجزائر الحفاظ على حضور معنوي في عاصمة مغربية، رغم قطيعة سياسية طويلة. لكن الرباط تُصرّ على أن الحضور لا يعني التصرف كما لو كانت الدولة المضيفة غائبة.
المغرب، الذي يُحافظ على مقاربة قانونية وهادئة في التعامل مع مثل هذه القضايا، يُراقب التطورات عن كثب، ويُؤكد أن احترام السيادة الوطنية ليس ترفاً، بل شرطاً أساسياً لأي تفاعل دبلوماسي، حتى لو كان رمزياً. كما يُذكّر بأن العلاقات الدولية تقوم على التوازن والاحترام المتبادل، وليس على خطوات أحادية تُتخذ في صمت.