تعاني الأسواق الفرنسية منذ عدة أسابيع من أزمة حادة وغير مسبوقة تتعلق بتوفر علب السردين المغربي، الذي يحتل مكانة مهمة في سلة الاستهلاك الغذائي للعائلات الفرنسية. يعود السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى تراجع حاد في إنتاج هذا المنتج البحري الثمين، والذي جاء نتيجة مباشرة لتغيرات مناخية استثنائية وغير مسبوقة ضربت السواحل المغربية بشدة. أدت هذه التغيرات المناخية إلى هجرة أسراب السردين نحو أعماق بحرية أبعد وأعمق، مما جعل عمليات صيده بالوسائل والتقنيات المعتادة والتقليدية أصعب بكثير وأقل كفاءة.
حذرت عدة صحف إعلامية فرنسية متخصصة مثل “فرانس إنفو” و”لو جورنال دو ديمانش” من أن المخزون المتاح من السردين المغربي يقترب بسرعة من النفاد الكامل. يأتي هذا التحذير في سياق يعكس درجة الاعتماد العالية جدا التي تتمتع بها فرنسا على المنتجات البحرية المغربية بشكل عام. يمثل المغرب المورد الأساسي والأول لفرنسا من حيث السردين، حيث يزود الدولة الأوروبية بما يفوق 70% من إجمالي استهلاكها السنوي من هذا المنتج البحري القيّم والمهم.
تشير الهيئات المهنية المتخصصة في القطاع الغذائي الفرنسي إلى احتمالية حدوث ارتفاعات كبيرة وقياسية في أسعار السردين خلال الأسابيع المقبلة القادمة، خاصة إذا لم تتحسن الظروف المناخية والبحرية بشكل جذري وتعود أسراب السردين إلى السلوك الطبيعي. تتوقف درجة شدة هذه الأزمة على مدى تحسن ظروف الصيد في المياه الأطلسية التي تحيط بالسواحل المغربية، وهو ما يبدو متشككا فيه في الوقت الحالي.
أكدت مصادر مهنية فرنسية متخصصة أن السردين المغربي يتمتع بسمعة عالمية وجودة استثنائية لا تضاهيها منتجات مماثلة من دول أخرى. يتميز هذا السردين بمحتوى عالي من الأحماض الدهنية المفيدة والمهمة للصحة، خاصة أحماض أوميغا 3 التي تلعب دورا محوريا في تحسين صحة القلب والدماغ. البدائل التي تأتي من دول في أمريكا الجنوبية تعاني من مستويات جودة أقل بشكل ملحوظ، مما يجعلها غير مقبولة لدى المستهلك الفرنسي الذي اعتاد على الجودة العالية والمواصفات الممتازة للسردين المغربي.
يرى خبراء متخصصون أن هذه الأزمة الحالية تكشف بوضوح عن درجة الاعتماد والتبعية العميقة التي تتمتع بها أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص على المنتجات البحرية والغذائية القادمة من المغرب. تعكس الأزمة أيضا الضعف الهيكلي في استراتيجيات الأمن الغذائي الأوروبية، حيث تعتمد دول أوروبية بشكل كبير على مورد واحد أو اثنين لتلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية. يدعو هؤلاء الخبراء بقوة إلى ضرورة إجراء تنسيق فوري وعاجل بين المغرب وفرنسا من أجل إيجاد حلول متوازنة تجمع بين حماية الثروة البحرية المغربية وتنميتها بطريقة مستدامة، وفي الوقت ذاته ضمان استقرار الأسواق الغذائية الفرنسية.
تأتي هذه الأزمة في وقت يشهد استمرار التقلبات المناخية المقلقة التي تهدد الموسم البحري القادم والمواسم اللاحقة. تشير التوقعات المناخية إلى احتمالية استمرار تأثر السواحل المغربية بتغيرات مناخية شاملة قد تؤثر على أنماط هجرة الأسماك والموارد البحرية الأخرى. يستلزم هذا الوضع المقلق من الجانبين المغربي والفرنسي أن يعملا على تطوير استراتيجيات طويلة الأمد تتعاطى مع الواقع الجديد للتغيرات المناخية، وتضمن استدامة الموارد البحرية مع الحفاظ على مستويات إنتاج معقولة تلبي احتياجات الأسواق الأوروبية.
من المعلوم أن المعلبات التي تباع في أسواقنا المحلية لا علاقة لها بالإطلاق بمستوى الجودة و لو في حدودها الدنيا التي يتم بها إعداد و تسويق نفس المنتجات الموجهة للتصدير …عيب و عار