كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة في حوار تلفزيوني مطول بثته القناة الثانية عن تفاصيل مثيرة حول الكواليس الدبلوماسية التي رافقت التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 المتعلق بقضية الصحراء المغربية. الوزير سعى من خلال تصريحاته إلى تبديد القلق الذي أثاره امتناع بعض الدول الكبرى عن التصويت، مؤكداً أن القرار يمثل نقلة نوعية في المسار الدبلوماسي للمملكة رغم هذه الامتناعات.
امتناع كل من روسيا والصين وباكستان عن التصويت أثار تساؤلات عديدة في الأوساط السياسية والإعلامية المغربية، لكن بوريطة حرص على وضع هذا الموقف في سياقه الدبلوماسي الصحيح. أوضح الوزير أن الدولتين الروسية والصينية تواجهان خلافات عميقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تحمل صفة حامل القلم في هذا الملف، مشيراً إلى أن السياق الدولي الراهن المشحون بالتوترات والصراعات المتعددة الأطراف يلقي بظلاله على مختلف القضايا المطروحة في أروقة الأمم المتحدة.
الوزير المغربي ذهب إلى أبعد من ذلك في تفسير الموقف الروسي، مؤكداً أن التصويت في حقيقته كان موجهاً إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس شخصياً. أكد بوريطة أنه لو كانت موسكو تنوي استخدام حق الفيتو لإسقاط القرار، لما كان هناك أي جدوى من طرحه على التصويت منذ البداية. هذا التحليل يكشف عن قراءة دبلوماسية دقيقة للمواقف الروسية التي اتخذت قراراً بعدم معارضة المصالح المغربية في هذا الملف الحساس.
ربط بوريطة الموقف الروسي المتفهم بالعلاقات الاستراتيجية التي بناها المغرب مع موسكو على مدى السنوات الأخيرة، مشيداً بالزيارة الملكية لروسيا عام 2016 التي شكلت منعطفاً حاسماً في العلاقات الثنائية. هذه الزيارة التاريخية أفضت إلى توقيع شراكة استراتيجية متينة بين البلدين، كما أن الموقف المغربي المتوازن تجاه الأزمة الأوكرانية عزز الثقة المتبادلة وساهم في تقوية الروابط السياسية بين الرباط وموسكو.
أما بخصوص باكستان، فقد كشف بوريطة عن طبيعة الحوار الذي دار معها قبل التصويت، موضحاً أن المحادثات تمحورت حول قضية كشمير التي تمثل هاجساً أساسياً للسياسة الخارجية الباكستانية. الوزير أشار إلى أن إسلام أباد تنظر إلى القضايا الدولية من منظور مصالحها الخاصة وتقارن دائماً بين وضعها في كشمير والملفات الأخرى المطروحة على الساحة الدولية.
شدد الوزير المغربي على أن التركيبة الحالية لمجلس الأمن تعتبر من أصعب التركيبات التي واجهتها الدبلوماسية المغربية في السنوات الأخيرة، لكنه أكد أن الأهم في نهاية المطاف هو اعتماد القرار دون أن تصوت أي دولة ضده بشكل صريح. هذه النتيجة تعني في المنطق الدبلوماسي أن المغرب نجح في تحييد المعارضين المحتملين وضمان عدم وجود أصوات معارضة فعلية.
كشف بوريطة أن الأوساط الدبلوماسية في أروقة مجلس الأمن رددت بعد التصويت عبارة مفادها أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وهو ما يعكس الإدراك الدولي بأن المغرب حقق إنجازاً دبلوماسياً نوعياً. الوزير أكد تاريخية القرار استناداً إلى عدة معطيات ملموسة تميزه عن القرارات السابقة وتشير إلى تطور واضح في المقاربة الأممية للملف.
المقارنة بين القرار الحالي والقرار الصادر العام الماضي تكشف عن تحولات جوهرية في المضمون والشكل. القرار السابق تضمن 43 فقرة موزعة على 4 صفحات، بينما اختصر القرار 2797 المحتوى في 14 فقرة فقط ضمن صفحة واحدة. هذا الاختزال الكبير ليس مجرد تبسيط شكلي بل يعكس تركيزاً أكبر على الجوهر وتجنباً للتفاصيل التي كانت تثقل النصوص السابقة.
التحول الأكثر دلالة يتجلى في التعامل مع ملف حقوق الإنسان الذي كان يشكل نقطة حساسة في القرارات السابقة. القرار الماضي خصص فقرة كاملة مكونة من 14 سطراً لهذا الموضوع، بينما خلا القرار الحالي تماماً من أي إشارة مباشرة إليه. كما تقلصت المسائل الإنسانية من 4 فقرات مستقلة إلى مجرد جملة واحدة عابرة، ما يؤشر على تحول واضح في مقاربة المجتمع الدولي للملف.
أكد بوريطة أن تاريخية القرار تنبع أساساً من كونه يتمحور بالكامل حول مبادرة الحكم الذاتي المغربية، فهي تمثل نقطة الانطلاق ونقطة الوصول في آن واحد. القرار أشار إلى هذه المبادرة ست مرات أي في ثلث فقراته، وهو ما يعني أنها أصبحت المرجعية الأساسية للحل وليست مجرد خيار من بين خيارات متعددة.
القرار حسم ستة عناصر جوهرية كانت محل نقاش وتجاذب في القرارات السابقة. حدد الأساس الذي ينطلق منه أي تفاوض وهو مبادرة الحكم الذاتي، وحدد الهدف النهائي للمفاوضات وهو نفس المبادرة، كما عين بوضوح الأطراف المعنية بالتفاوض. القرار حدد أيضاً الإطار الذي يجب أن تجري فيه المفاوضات وهو الرعاية الأممية مع دفع أمريكي قوي، ووضع أجلاً زمنياً محدداً بسنة واحدة لإحراز تقدم ملموس، وحسم مستقبل بعثة المينورسو الأممية في المنطقة.
هذه التفاصيل التي كشفها بوريطة تؤكد أن الدبلوماسية المغربية حققت اختراقاً حقيقياً في التعامل الدولي مع الملف، وأن القرار يمثل قفزة نوعية في المسار التفاوضي رغم امتناع بعض الدول عن التصويت لأسباب تتعلق بتوازناتها الخاصة أكثر من موقفها من القضية ذاتها.










