كشفت المشاهد الجوية المؤلمة التي التقطت فوق منطقة الدردارة في إقليم شفشاون عن مأساة بيئية حقيقية، حيث تظهر مساحات واسعة من الأراضي المحترقة والمتفحمة بعد أن دمرت النيران الهائجة أكثر من 500 هكتار من الغطاء الغابي الكثيف منذ 12 من غشت 2025.
تبرز هذه الصور المدمرة الطبيعة الكارثية للحريق الذي اجتاح المنطقة وحجم التحدي الاستثنائي الذي واجهته قوات الإطفاء والوقاية المدنية في محاولتها السيطرة على ألسنة اللهب المتوحشة. شهدت عمليات الإخماد تعبئة جماعية غير مسبوقة، حيث تم تسخير أكثر من 450 عنصراً ميدانياً مدرباً ومجهزاً بأحدث المعدات المتخصصة في مكافحة الحرائق الغابية.
لم تقتصر جهود الإطفاء على الفرق البرية فحسب، بل امتدت لتشمل أسطولاً جوياً مكوناً من 8 طائرات إطفاء متطورة من طرازي كنادير وتوربو تراش، والتي عملت بلا كلل لإلقاء آلاف الأطنان من المياه على بؤر الحريق المختلفة في محاولة لاحتواء انتشار النيران وحماية المناطق المجاورة من خطر امتداد الحريق إليها.
في تطور مهم في التحقيقات الجارية حول أسباب اندلاع هذا الحريق المدمر، تمكنت السلطات الأمنية من إلقاء القبض على شخص يُشتبه بقوة في تسببه في إشعال هذه الكارثة البيئية. يُعتقد أن المشتبه فيه أقدم على إحراق كمية من النفايات في منطقة قريبة من الغابة، مما أدى إلى انتشار النيران بسرعة مخيفة في الأشجار والنباتات المحيطة نظراً للظروف المناخية الجافة والرياح القوية السائدة في تلك الفترة.
تكشف الصور الجوية المروعة عن الأثر البيئي المدمر لهذا الحريق، حيث تظهر مناطق شاسعة تحولت من غابات خضراء مورقة إلى أراض قاحلة ومتفحمة. هذا الدمار لا يقتصر على الأشجار والنباتات الظاهرة فحسب، بل يمتد ليشمل النظام البيئي بأكمله في المنطقة، مما يعني فقداناً كبيراً في التنوع البيولوجي الذي كانت تحتضنه هذه الغابات.
تسببت النيران الجامحة في إحداث تغييرات جذرية في تركيبة وخصائص التربة، حيث أدت الحرارة العالية إلى تدمير الكائنات الحية الدقيقة والمفيدة الموجودة في الطبقات العليا من التربة. هذا التدهور في بنية التربة سيؤثر لسنوات قادمة على قدرتها على دعم نمو النباتات الجديدة واستعادة الغطاء النباتي الطبيعي في المنطقة.
لا تقتصر الآثار البيئية على التربة والنباتات، بل تمتد لتشمل اضطراباً كبيراً في النظام البيئي المحلي وسلاسل الغذاء الطبيعية. فقدت أعداد كبيرة من الحيوانات البرية موائلها الطبيعية، مما اضطرها إلى الهجرة إلى مناطق أخرى أو مواجهة خطر الانقراض المحلي، كما تأثرت دورة المياه الطبيعية في المنطقة بفعل فقدان الغطاء النباتي الذي يلعب دوراً حاسماً في تنظيم تدفق المياه والحفاظ على الرطوبة.
يسلط هذا الحادث المؤسف الضوء بقوة على المخاطر الجسيمة التي تنجم عن السلوكيات اللامسؤولة وقلة الوعي البيئي لدى بعض المواطنين. إن إحراق النفايات بالقرب من المناطق الغابية، خاصة في فصل الصيف وفي ظل الظروف المناخية الجافة، يعتبر عملاً إجرامياً بحق البيئة والأجيال القادمة.
استجابت السلطات المختصة لهذه الكارثة البيئية بالدعوة إلى تعزيز الإجراءات الوقائية وتكثيف الحملات التوعوية لحماية الثروة الغابية الوطنية. كما تؤكد على ضرورة تشديد المراقبة والعقوبات على المخالفات التي قد تؤدي إلى حرائق الغابات، مع التركيز على التربية البيئية وزيادة الوعي المجتمعي حول أهمية الحفاظ على التراث الطبيعي للمملكة.
في هذا السياق، كانت الوكالة الوطنية للمياه والغابات قد أعلنت في وقت سابق عن تخصيص مبلغ ضخم يقدر بـ 160 مليون درهم لتعزيز قدراتها في مواجهة حرائق الغابات خلال موسم الصيف لعام 2025، مما يعكس الأولوية العالية التي توليها الدولة لحماية الثروة الغابية الوطنية.