شهد جنوب إسبانيا حدثا مقلقا يوم الجمعة باندلاع حريق في مسجد كاتدرائية قرطبة، هذا المعلم الأثري الاستثنائي الذي يحتل مكانة مميزة كأحد أهم رموز التراث الإسلامي والمسيحي في شبه الجزيرة الأيبيرية.
يمثل هذا المبنى التاريخي جوهرة معمارية لا تقدر بثمن، حيث يحمل تصنيفا رسميا ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، ويجذب سنويا أكثر من مليوني زائر من مختلف أنحاء العالم يأتون للاستمتاع بجماله الفريد وتاريخه العريق.
تدخلت فرق الإطفاء المحلية فور تلقي البلاغ وانتشرت في الموقع للسيطرة على الحريق، لكن المتحدثين باسمها امتنعوا عن تقديم تفاصيل دقيقة حول طبيعة الحريق أو مداه، مكتفين بالتأكيد على وجود عناصرهم في المكان لمواجهة الموقف.
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مصورة تظهر ألسنة اللهب البرتقالية وهي ترتفع من أسوار المعلم التاريخي، مصحوبة بأعمدة دخان كثيف يتصاعد في سماء المدينة الأندلسية العريقة، مما أثار قلقا واسعا بين السكان المحليين والمهتمين بالتراث.
وفقا للمعلومات الأولية التي نشرتها صحيفة آ بي ثي الإسبانية، يبدو أن سبب اندلاع الحريق يعود إلى اشتعال مكنسة في حوالي الساعة التاسعة مساء بالتوقيت المحلي، أي السابعة مساء بتوقيت غرينتش، في حادث يظهر كيف يمكن لأسباب بسيطة أن تهدد معالم تاريخية بهذه الأهمية.
رغم المحاولات المتكررة للحصول على معلومات إضافية من بلدية قرطبة، لم تتمكن وكالات الأنباء من الوصول إلى المسؤولين المحليين للحصول على تصريحات رسمية أو تفاصيل أكثر دقة حول الحادث وتداعياته على المبنى التاريخي.
يحمل مسجد كاتدرائية قرطبة تاريخا عريقا يمتد عبر قرون طويلة، حيث بدأت قصته في القرن الثامن الميلادي عندما أمر عبد الرحمن الأول، أمير الأندلس الأموي، ببناء المسجد على أنقاض كنيسة قوطية قديمة، في خطوة عكست الحضارة الإسلامية المزدهرة في تلك الحقبة.
شهد المبنى عمليات توسيع وتطوير متتالية على مدار أربعة قرون، حيث أضاف كل من الأمراء والخلفاء الأمويين اللاحقين لمسات معمارية جديدة، مما جعله تحفة فنية تجمع بين عناصر مختلفة من الطراز الإسلامي الأندلسي، بأقواسه المتداخلة وأعمدته الرخامية المميزة.
اليوم، يقف هذا المعلم الاستثنائي كشاهد حي على حقب تاريخية متنوعة وحضارات متعاقبة، حيث يمكن للزوار أن يلمسوا بأعينهم تداخل الثقافات والأديان في مبنى واحد يحكي قصة أندلس التي كانت نموذجا للتسامح والتعايش.
يثير هذا الحريق مخاوف جدية حول سلامة المعالم التراثية القديمة وضرورة تعزيز إجراءات الحماية والوقاية، خاصة في ظل تزايد عدد الزوار والأنشطة السياحية التي قد تشكل مخاطر إضافية على هذه الكنوز التاريخية النادرة.