كشف عز الدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، النقاب عن خطة طموحة لإعادة تشكيل المشهد التعليمي الجامعي في المغرب من خلال مشروع قانون جديد يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية شاملة في هذا القطاع الحيوي. هذا الإعلان جاء خلال مداخلته في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، حيث تناول عدة قضايا حساسة تتعلق بواقع التعليم العالي في البلاد.
الوزير تطرق بصراحة واضحة إلى الأحداث المؤسفة التي شهدتها بعض المؤسسات الجامعية والمتعلقة بما يُعرف إعلامياً بقضايا استغلال النفوذ الأكاديمي. ميداوي أكد أن هذه الحوادث تمثل حالات استثنائية ومعزولة لا تعكس الطابع العام للجامعة المغربية العريقة، مشدداً على أن تصنيفها كظاهرة عامة يُعد أمراً غير دقيق ولا يعكس الواقع الحقيقي للمؤسسات التعليمية.
المسؤولية المشتركة كانت محوراً أساسياً في تصريحات الوزير، حيث أشار إلى أن معالجة مثل هذه السلوكيات تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف داخل الجامعة وفي محيطها المجتمعي الأوسع. هذا النهج التشاركي يعكس فهماً عميقاً لطبيعة التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية وضرورة التعامل معها بمقاربة شمولية.
المشاعر الإنسانية والمهنية للوزير برزت بوضوح عندما عبر عن استيائه العميق وحزنه كمواطن ومسؤول حكومي إزاء هذه الأحداث. تصريحه بأنه يشاطر الجميع مشاعر الأسف والحرج يعكس الحس بالمسؤولية العالي والإدراك التام لخطورة الموقف وتأثيره على سمعة الجامعة المغربية التي تحتل مكانة تاريخية ومحورية في التنمية الوطنية.
النقد البناء للمقاربات التقليدية في التعامل مع هذه المشاكل شكل جانباً مهماً من تصريحات ميداوي، حيث انتقد الاعتماد المفرط على الأساليب الزجرية وحدها. الوزير أكد أن العقوبات ليست كافية في قطاع يعتمد بشكل أساسي على الذكاء والإبداع والتطور التكنولوجي، مما يستدعي مقاربات أكثر تطوراً وشمولية.
مشروع القانون الجديد الذي كشف عنه الوزير يمثل رؤية متكاملة لإصلاح المنظومة الجامعية وإعادة تأطيرها على المستويين القانوني والمؤسساتي. هذا المشروع الطموح يسعى إلى معالجة جذرية للتحديات الحالية وتحديث البنية التنظيمية للتعليم العالي بما يواكب المعايير الدولية المعاصرة.
إنشاء مجلس استراتيجي برئاسة شخصية وازنة يُعد من أبرز ملامح المشروع الإصلاحي الجديد. هذا المجلس سيتولى مسؤولية مناقشة السياسات الجامعية ومتابعة تنفيذها وتقييم أدائها، مع الحرص على الحفاظ على اختصاصات مجلس الجامعة التقليدية. هذا التوازن بين التجديد والاستمرارية يعكس نهجاً حكيماً في إدارة التغيير المؤسسي.
إعداد دفتر تحمّلات خاص بالمناصب العليا في الجامعات يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز المساءلة والشفافية في الإدارة الأكاديمية. هذا الإجراء سيضمن وضوح المعايير والتوقعات للقيادات الجامعية ويساهم في رفع مستوى الأداء والمسؤولية.
إعادة هيكلة الخريطة الجامعية وفق معايير دولية تمثل محوراً أساسياً في المشروع الإصلاحي. التوجه نحو تقسيم الكليات الكبرى حسب التخصصات وتقليص المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح يهدف إلى تحسين جودة التعليم وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية.
قضية ولوج سلك الماستر حظيت باهتمام خاص من الوزير، حيث شدد على ضرورة فتح هذا المسار أمام جميع الطلبة مع الإبقاء على عملية الانتقاء فقط في برامج التميز المتخصصة. هذا النهج يضمن العدالة في الوصول للتعليم العالي مع الحفاظ على معايير الجودة في البرامج المتقدمة.
التكوينات المرنة لفائدة غير الطلبة تعكس فهماً متقدماً لاحتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية المستدامة. هذا التوجه يهدف إلى جعل الجامعة مركزاً مفتوحاً للتعلم المستمر والتطوير المهني، مما يعزز من دورها في خدمة المجتمع والاقتصاد الوطني.
الرؤية الشمولية التي تحكم هذا المشروع الإصلاحي تستهدف تجويد التعليم العالي وتطوير أدائه بما يستجيب للتحديات المستقبلية. هذا المنظور الاستشرافي يضمن أن تكون الجامعة المغربية مواكبة للتطورات العالمية ومساهمة فعالة في بناء اقتصاد المعرفة والابتكار.