شهدت الوضعية المائية للمملكة المغربية تطوراً إيجابياً خلال الأيام الأخيرة بفضل الأمطار والثلوج التي عرفتها مناطق متفرقة من التراب الوطني، حيث أظهرت البيانات الرسمية الصادرة يوم الاثنين 22 ديسمبر 2025 ارتفاعاً ملموساً في حجم المياه المخزنة بالسدود الوطنية رغم أن هذا التحسن يبقى محدوداً أمام التحديات المائية المتراكمة عبر السنوات.
المعلومات الرسمية الصادرة عن منصة الماء ديالنا التابعة لوزارة التجهيز والماء واللوجستيك كشفت أن نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني وصلت إلى 33.6% بحجم تخزيني يقارب 5637 مليون متر مكعب. هذه الأرقام تعكس واقعاً مائياً لا يزال هشاً بالنظر إلى السنوات المتتالية من الجفاف والتغيرات المناخية الحادة التي تؤثر على الموارد المائية بشكل متزايد.
التساقطات المطرية والثلجية الأخيرة ساهمت بشكل واضح في رفع منسوب المياه بعدد من الأحواض المائية بعد فترة من الانخفاض المقلق، لكن هذا التحسن الطفيف لا يكفي لسد العجز المتراكم الذي تعاني منه المخزونات المائية منذ عدة مواسم. الوضع المائي الحالي يفرض ضرورة مواصلة الجهود وتكثيف السياسات الرامية إلى تأمين الموارد المائية المستقبلية.
حوض أم الربيع يواجه أزمة مائية حادة تجعله من بين أكثر الأحواض معاناة على المستوى الوطني، حيث لم يتجاوز معدل الامتلاء به 10.3% بمخزون مائي لا يزيد عن 511.2 مليون متر مكعب. رغم أن بعض السدود الصغيرة ضمن هذا الحوض سجلت امتلاءً كاملاً مثل سد سيدي إدريس وسد سيدي سعيد معاشو اللذين وصلا إلى 100%، إلا أن الوضعية الإجمالية تظل مقلقة جداً بسبب المستويات الضعيفة للسدود الكبرى والاستراتيجية.
سد أحمد الحنصلي الذي يعتبر من السدود المهمة لم يتعد معدل امتلائه 15%، فيما سجل سد بين الويدان 14% وسد حسن الأول نفس النسبة تقريباً. هذه المؤشرات تثير مخاوف جدية حول قدرة هذا الحوض على تلبية الاحتياجات المائية للمناطق الفلاحية والمدن الكبرى التي تعتمد عليه بشكل أساسي في تزويدها بالماء الصالح للشرب والري.
على النقيض من ذلك، يظهر حوض اللوكوس بوضعية أفضل نسبياً حيث بلغت نسبة الملء 49.4% بمخزون مائي يقارب 943.9 مليون متر مكعب. استفاد هذا الحوض بشكل واضح من التساقطات الأخيرة التي رفعت منسوب عدة سدود إلى مستويات جيدة، إذ وصل كل من سد شفشاون وسد النخلة إلى الامتلاء الكامل بنسبة 100%، بينما سجل سد الشريف الإدريسي 94% وسد وادي المخازن 76%، مما يجعل هذا الحوض من بين الأكثر استقراراً مائياً خلال هذه المرحلة.
حوض سبو يحتفظ بمكانته كأكبر حوض مائي من حيث حجم المخزون الإجمالي بسعة تصل إلى 2314.5 مليون متر مكعب ونسبة امتلاء عامة تبلغ 41.6%. داخل هذا الحوض تبرز عدة سدود بمستويات مرتفعة نسبياً منها سد علال الفاسي الذي وصل إلى 97%، وسد منع سبو بنسبة 96%، إضافة إلى سد بوهودة الذي سجل 87%. هذه المعطيات تعكس التأثير الإيجابي للتساقطات المطرية والثلجية على منطقة سبو التي تعد الرئة المائية الأساسية للبلاد.
حوض ملوية من جهته سجل نسبة ملء متوسطة بلغت 27.9% بمخزون مائي قدره 200.3 مليون متر مكعب، حيث وصل سد على واد زا إلى الامتلاء الكامل، غير أن هذه الأرقام تبقى أقل من المطلوب لتغطية الحاجيات المتزايدة خاصة في منطقة تشهد ضغطاً كبيراً على مواردها المائية المحدودة أصلاً.
التباين بين الأحواض المائية يظهر بوضوح عند النظر إلى باقي المناطق، فحوض أبي رقراق يتمتع بوضعية مريحة نسبياً بنسبة ملء وصلت إلى 75.4% ومخزون كبير يناهز 816.6 مليون متر مكعب، مما يجعله من بين الأحواض الأكثر أماناً مائياً. حوض تانسيفت يأتي بنسبة امتلاء معقولة تبلغ 48%، لكن مخزونه المائي الإجمالي لا يتعدى 109.1 مليون متر مكعب بسبب محدودية السعة التخزينية الإجمالية للسدود الموجودة ضمن هذا الحوض.
الوضعية الأكثر إثارة للقلق تبقى في الجنوب حيث يعاني حوض سوس ماسة من أزمة مائية خانقة بنسبة ملء لا تتجاوز 19.9% ومخزون مائي ضعيف في حدود 145.7 مليون متر مكعب. حوض درعة واد نون لا يختلف كثيراً حيث بلغ مخزونه 298.7 مليون متر مكعب بنسبة ملء تقارب 28.5%، وهي أرقام تعكس استمرار الإجهاد المائي الشديد الذي تعاني منه هذه المناطق الجنوبية.
المختصون والمتابعون يؤكدون أن التحسن المسجل بعد التساقطات الأخيرة رغم أهميته يبقى غير كافٍ لحل الأزمة المائية البنيوية التي يعاني منها المغرب. الوضعية الحالية تستدعي يقظة مستمرة وتسريع تنفيذ استراتيجيات ترشيد استعمال المياه على جميع المستويات، إلى جانب الإسراع في إنجاز محطات تحلية مياه البحر وتعزيز الربط المائي بين الأحواض المختلفة. الاستثمار في البنيات التحتية المائية وتطوير تقنيات التخزين والتدبير أصبح ضرورة ملحة لضمان أمن مائي مستدام في ظل التحديات المناخية المتصاعدة.










