شهدت مدينة الدار البيضاء يوم الجمعة 19 سبتمبر 2025 مناقشات مكثفة حول مستقبل قطاع التأمين في المغرب، حيث أجمع الخبراء والفاعلون في هذا المجال على الحاجة الماسة لتحسين الخدمات المقدمة وتعميم الاستفادة منها من أجل استعادة ثقة المؤمنين التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة.
أكد وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك، في تصريح صحفي نقلته SNRTnews على الدور الاقتصادي والاجتماعي الحيوي للتأمينات في حماية المواطنين وممتلكاتهم، مما استدعى إجراء بحث وطني شامل لقياس مدى تقبل المستهلكين لخدمات التأمين المتاحة حالياً. جاءت هذه المبادرة كاستجابة للشكاوى المتزايدة والانتقادات الموجهة لأداء شركات التأمين في المملكة.
كشفت النتائج المتوصل إليها في هذا البحث الوطني عن واقع متباين، حيث عبرت عن تخوفات واضحة لدى شريحة من المستهلكين، بينما أظهرت شريحة أخرى ارتياحاً نسبياً لخدمات مؤسسات التأمين. هذا التباين في الآراء يعكس حالة عدم الاتساق في جودة الخدمات المقدمة عبر مختلف شركات القطاع.
من جانبه، شدد محمد بنقدور، الرئيس المؤسس للجامعة الوطنية لحماية المستهلك، على أن قطاع التأمين يحتاج إلى إصلاح جذري ومعمق يشمل عدة محاور أساسية تبدأ بتحسين مستوى المعلومات المقدمة للعملاء وتعزيز الشفافية في التعامل وتطوير أساليب التواصل مع المؤمنين.
أشار بنقدور إلى قضية بالغة الأهمية تتعلق بضرورة توعية المؤمن بكافة تفاصيل وبنود العقود وشرحها له بوضوح من قبل موظفي المؤسسات قبل التوقيع، مستنداً إلى إحصائيات مقلقة تكشف أن أكثر من 80 بالمئة من المواطنين أقروا بتوقيعهم على العقود تحت ضغط دون الاطلاع الكافي على بنود الاتفاقية.
في السياق التكنولوجي، أكد بنقدور على الحاجة الملحة لتوسيع رقمنة خدمات التأمين لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع، مشيراً إلى وجود تأخر ملحوظ في استعمال التقنيات الحديثة المتعلقة بهذا القطاع مقارنة بالمعايير الدولية.
من ناحيته، أوضح صلاح الدين العاجي، المدير العام للجامعة المغربية للتأمين، أن هذه الدراسة الشاملة ستساعد الفاعلين في القطاع على فهم احتياجات العملاء بشكل أعمق، مؤكداً سعي القائمين على القطاع لتحسين الخدمات المقدمة للزبائن بناءً على التوصيات والنتائج التي توصلت إليها الدراسة.
أشار يونس اللماط، المدير العام لحماية المؤمنين بهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، إلى المساعي الحثيثة التي تقوم بها الهيئة للتواصل مع مؤسسات التأمين من أجل تحسين جودة الخبرة وجعلها أكثر شفافية وموضوعية. كما كشف عن توقيع الهيئة لميثاق مع مؤسسات التأمين هذه السنة يهدف إلى ضمان الالتزام بمعايير الجودة المطلوبة.
تستند هذه التوصيات إلى دراسة وطنية شاملة أنجزتها الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك بشراكة مع وزارة الصناعة والتجارة، شملت أكثر من 4 آلاف مستجوب من مختلف جهات المملكة، معظمهم من الشباب. أظهرت النتائج أن ثقافة التأمين لا تزال محدودة لدى المواطنين، حيث يبقى الانخراط في التأمين مرتبطاً بالطابع الإلزامي وليس بالرغبة الشخصية.
كشفت الإحصائيات أن 70 بالمئة من المواطنين يتوفرون على تأمين واحد على الأقل، بينما يبقى 30 بالمئة منهم دون أي تغطية تأمينية. يأتي التأمين الصحي في المرتبة الثانية بعد تأمين السيارات بنسبة 50 بالمئة، يليه التأمين العقاري المرتبط بالقروض البنكية بنسبة 40 بالمئة، وأخيراً التأمين على الحياة بنسبة 30 بالمئة.
تبرز الدراسة تحديات كبيرة تواجه القطاع، خاصة في مجال فهم العقود حيث يواجه معظم المستجوبين صعوبة في استيعاب محتوى العقود المكتوبة بلغة فرنسية تقنية معقدة وأحياناً بخط غير مقروء. كما يؤكد 65 بالمئة من المؤمنين عدم حصولهم على معلومات كافية حول التأمين، سواء بسبب تعقيد العقود أو التعامل المتعالي من قبل الموظفين وعدم منحهم الوقت الكافي للحصول على المعلومات اللازمة.
يتجلى عدم الرضا بوضوح في النسبة المرتفعة للمستجوبين الذين غيروا مؤسسة التأمين التابعين لها، حيث عبر 70 بالمئة منهم عن قيامهم بهذه الخطوة. هذا الواقع يفرض على القطاع ضرورة بذل جهود أكبر في إطار تعزيز الشفافية لكسب ثقة المؤمنين، والتواصل معهم بلغة واضحة ومفهومة، بالإضافة إلى تحسين صياغة عقود التأمين وتقديم تفسيرات أوضح للمواطنين مع الاستعانة بوسائل الإعلام لتوضيح المفاهيم المعقدة.











