أعربت المملكة المغربية عن اهتمامها بالانضمام إلى مبادرة دولية طموحة تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات رقمية شاملة للمعالم التاريخية والثقافية عبر مختلف العصور والحضارات. هذه المبادرة اقترحها مركز علم الآثار التابع لمعهد التاريخ والآثار الروسي، وتمثل خطوة مهمة نحو الحفاظ على التراث الإنساني وتسهيل الوصول إليه رقمياً.
كشف ألكسندر أليموف، مدير دائرة التعاون الإنساني متعدد الأطراف والعلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الروسية ورئيس مجلس إدارة صندوق “العالم الروسي”، في حوار مع صحيفة إيزفستيا، أن عدة دول أبدت حماساً للمشاركة في هذا المشروع الرقمي الطموح إلى جانب المغرب.
تضم قائمة الدول المهتمة بالمشروع السنغال وليبيا وإثيوبيا، مما يعكس الطابع الأفريقي والإسلامي لهذه المبادرة التي تستهدف رقمنة الآثار التاريخية والثقافية، بما في ذلك المواقع المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو والموجودة في البلدان الأفريقية والإسلامية.
أكد المسؤول الروسي على الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع على الصعيدين الإنساني والدبلوماسي، مشيراً إلى أنه سيسهم بشكل ملحوظ في تعزيز التعاون مع دول الجنوب العالمي في المجالين الثقافي والإنساني. هذا التوجه يتماشى مع الاستراتيجية الروسية لتوطيد العلاقات مع الدول النامية والناشئة.
في سياق متصل، استشهد أليموف بمشروع ترميم قوس النصر في مدينة تدمر السورية كمثال عملي على الخبرة الروسية في مجال حفظ التراث الأثري. هذا القوس، الذي يعتبر رمزاً لسوريا، تعرض للتدمير على يد مقاتلي تنظيم داعش في خريف عام 2015، حيث أدى التفجير إلى انهيار القبو وتدمير الفتحة المركزية بالكامل.
تفاصيل الدمار كانت كارثية، حيث لم يتبق من الفتحتين الجانبيتين سوى الدعامات الطرفية، بينما تضررت الدعامات الداخلية بشدة، وأصيبت الكتل الحجرية المنقوشة المكونة للأقبية بأضرار كبيرة، مع فقدان جزء من العناصر بشكل نهائي.
تم توقيع مذكرة تفاهم بين معهد تاريخ الثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية والمديرية العامة للآثار والمتاحف السورية لترميم قوس النصر في تدمر. أشرف على العمل مركز الإنقاذ الأثري التابع للمعهد، الذي يمتلك خبرة سابقة في سوريا، وقد أنهى الفريق المشترك الروسي السوري بقيادة ناتاليا سولوفيوفا جميع الإجراءات التحضيرية.
على مدى السنوات الماضية، تم إنجاز أعمال كبيرة شملت تنفيذ جميع أعمال التدخل الطارئ بعد الدمار، وإجراء التنقيبات الأثرية، وجمع العينات وتحليل المواد، بالإضافة إلى المسح الجيولوجي الشامل. هذه الجهود العلمية المكثفة مهدت الطريق لمرحلة الترميم الفعلية.
في مارس من عام 2023، تم الانتهاء من إعداد الوثائق الهندسية للمشروع، وأُنجزت عملية إعادة البناء الرقمية ثلاثية الأبعاد للشكل التاريخي للقوس، بالإضافة إلى نموذج ثلاثي الأبعاد لحالته قبل وبعد التفجير. هذا التقدم التقني غيّر بشكل ملحوظ التصورات الأولية بشأن طرق الترميم ومهّد الطريق لوضع مشروع جديد كلياً لإعادة بناء القوس.
في أبريل 2023 عُرض المشروع علناً في روسيا، ثم في سوريا خلال الفترة من 24 إلى 25 مايو 2023، وبعد ذلك أُرسل إلى اليونسكو حيث تمت الموافقة عليه ونال تقديراً عالياً من هذه المنظمة الدولية المتخصصة في حفظ التراث العالمي.
زار وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك سوريا مؤخراً، ومن المتوقع أن يتمكن الخبراء الروس من بدء أعمال ترميم قوس النصر في تدمر بعد موافقة الحكومة الانتقالية للجمهورية العربية السورية. الاتفاقيات بشأن هذا المشروع أُبرمت في عهد الرئيس السوري السابق، والمفاوضات جارية حالياً لاستكمال الإجراءات اللازمة.
يمثل هذا المشروع الرقمي نموذجاً للتعاون الدولي في مجال الحفاظ على التراث الإنساني، ويعكس اهتمام المغرب المتزايد بتوظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة التراث الثقافي والأثري، مما قد يفتح آفاقاً جديدة للتعاون العلمي والثقافي مع روسيا والدول الأخرى المشاركة في هذه المبادرة الطموحة.











