تواجه المملكة المغربية تحديات أمنية رقمية خطيرة تتصاعد بوتيرة متسارعة، حيث كشفت الإحصائيات الحديثة عن تعرض البلاد لموجات هجمات سيبرانية مكثفة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
أظهرت البيانات الصادرة عن شركة NETSCOUT العالمية المختصة في مراقبة أمن الشبكات وتحليل المخاطر الرقمية أن المغرب واجه ما مجموعه 75,624 هجوماً من نوع حجب الخدمة الموزعة خلال هذه الفترة، مما وضع المملكة في المرتبة الثانية على مستوى القارة الإفريقية من حيث كثافة التعرض للاعتداءات الرقمية.
تركزت النسبة الأعظم من هذه الهجمات على قطاع الاتصالات المتنقلة، حيث تحمل هذا القطاع وطأة 64,517 اعتداءً رقمياً، وهو ما يعكس الاستهداف المنهجي للبنية التحتية الحيوية للاتصالات في البلاد.
سجلت أقوى الهجمات معدلات قياسية بلغت 158.88 جيجابت في الثانية الواحدة، بينما وصل معدل الإرسال إلى 17.74 مليون حزمة بيانات في الثانية، وهي أرقام تشير إلى مستوى عال من التنظيم والتخطيط وراء هذه العمليات.
امتدت هذه الهجمات بمتوسط زمني يبلغ 12 دقيقة لكل عملية اعتداء، مما يؤكد طبيعتها المدروسة والهادفة إلى إحداث أقصى قدر من الضرر للخدمات المستهدفة والمؤسسات المعنية.
تنوعت أساليب الهجوم لتشمل تقنيات متطورة مثل تضخيم TCP ACK وتضخيم DNS إضافة إلى تضخيم TCP SYN/ACK وTCP RST، فضلاً عن استخدام تقنية تضخيم STUN، مما يدل على التطور التكنولوجي للجهات المهاجمة.
وصل التعقيد في بعض العمليات إلى استخدام 20 قناة مختلفة في هجوم واحد، وهو ما يعكس مستوى التنسيق والخبرة التقنية العالية لدى المنفذين ويطرح تساؤلات حول مصادر هذه القدرات التقنية المتقدمة.
لم يقتصر الاستهداف على قطاع الاتصالات المتنقلة فحسب، بل امتد ليطال قطاع الاتصالات السلكية الذي تعرض لـ 1,342 هجوماً بمعدل إرسال بلغ 9.26 مليون حزمة في الثانية، مما يؤكد شمولية التهديد.
شملت الأهداف أيضاً قطاعات أخرى متنوعة كمجالات البحث والتطوير في العلوم الاجتماعية والإنسانية، بالإضافة إلى تجار التجزئة للأحذية، رغم أن عدد الهجمات في هذه القطاعات كان محدوداً نسبياً مقارنة بالقطاعات التكنولوجية الرئيسية.
يضع هذا الوضع المغرب في موقع حرج يتطلب استجابة عاجلة وشاملة من السلطات المختصة ومزودي خدمات الإنترنت، خاصة مع تصاعد مستوى التعقيد والتنسيق في الهجمات وتعدد قنواتها وأساليبها.
تبرز هذه التطورات الحاجة الملحة لوضع استراتيجية وطنية متكاملة للأمن السيبراني، تشمل الاستثمار في أنظمة حماية متطورة ورصد دقيق للتهديدات، لمواجهة خصوم رقميين يستخدمون تقنيات متقدمة ومتطورة تهدد استقرار البنية الرقمية الوطنية.