كشفت شركة أوبن أيه آي النقاب عن أحدث إنجازاتها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بإطلاق تشات جي بي تي-5 يوم الخميس، في خطوة تهدف إلى ترسيخ مكانتها كرائد عالمي في هذا المجال التنافسي المتنامي.
يمثل النموذج الجديد قفزة نوعية في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث وصفته الشركة بأنه الأكثر ذكاء وسرعة وفائدة مقارنة بجميع الإصدارات السابقة منذ الإطلاق الأول في أواخر عام 2022. جاء هذا الإعلان في ظل تصاعد المنافسة الشديدة بين عمالقة التكنولوجيا للهيمنة على سوق مساعدات الذكاء الاصطناعي المتطورة.
أعرب سام ألتمان، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لأوبن أيه آي، عن ثقته الكبيرة في إمكانيات النموذج الجديد خلال المؤتمر الصحفي، مشبها التفاعل معه بالحديث مع خبير حاصل على درجة الدكتوراه في أي تخصص. هذا التشبيه يعكس المستوى المتقدم من الفهم والتحليل الذي يتمتع به النموذج الجديد.
قدم ألتمان مقارنة مثيرة للاهتمام بين مختلف إصدارات تشات جي بي تي، حيث شبه الإصدار الثالث بطالب المدرسة الثانوية الذي يقدم إجابات صحيحة أحيانا وغير منطقية أحيانا أخرى، بينما وصف الإصدار الرابع بمستوى طالب جامعي، مما يجعل الإصدار الخامس بمثابة خبير متخصص.
تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي منافسة محتدمة بين الشركات الرائدة التي تسعى لتطوير نماذج أكثر تقدما في قدراتها على التفكير المنطقي وأداء المهام بشكل مستقل. تهدف هذه الشركات إلى جعل مساعداتها الذكية جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لأكبر عدد ممكن من المستخدمين والمطورين.
تستفيد شركات مثل جوجل وميتا من قواعد المستخدمين الضخمة لديها، بينما نجحت أنثروبيك في بناء سمعة قوية خاصة بين المتخصصين. من جهة أخرى، تم دمج غروك من شركة xAI التابعة لإيلون ماسك مباشرة في منصة X، كما أحدثت الشركة الصينية الناشئة ديبسيك ضجة كبيرة بإطلاق نموذجها R1 مفتوح المصدر.
رغم هذه المنافسة الشديدة، يحتفظ تشات جي بي تي بمكانته كالاسم الأكثر شهرة بين الجمهور العام، حيث يضم قاعدة مستخدمين نشطين تقارب 700 مليون مستخدم أسبوعيا، مما يعكس النجاح الكبير الذي حققته أوبن أيه آي في الوصول إلى الجمهور العريض.
يتميز النموذج الجديد بإمكانيات تخصيص متقدمة، حيث يمكن للمستخدمين اختيار نبرة التفاعل المرغوبة سواء كانت موجزة أو ودية أو ساخرة، بالإضافة إلى قدرته على الاتصال بخدمات مثل جيميل، مما يوسع نطاق استخداماته العملية.
أبرز ألتمان القدرات الاستثنائية للنموذج الجديد، خاصة في مجال البرمجة، حيث يستطيع إنشاء تطبيقات فورية عند الطلب. تم عرض هذه الإمكانية عمليا عندما طلب أحد المهندسين من المساعد إنشاء تطبيق تعليمي للغة الفرنسية باستخدام الألعاب، فأنتج النموذج مئات الأسطر البرمجية خلال دقائق قليلة.
تحسنت الموثوقية بشكل كبير في النموذج الجديد، حيث انخفضت ظاهرة “الهلوسة” بدرجة ملحوظة مقارنة بالإصدارات السابقة. يعترف النموذج الآن عندما لا يعرف الإجابة بدلا من اختلاق معلومات تبدو مقنعة، مما يعزز الثقة في دقة المعلومات المقدمة.
أكد أليكس بيوتيل، مدير أمن المنتجات في الشركة، أن النموذج الجديد تم تدريبه على الصدق لضمان عدم تضليل المستخدمين، مما يمثل تطورا مهما في مجال أمان الذكاء الاصطناعي.
من الناحية الأمنية، طورت الشركة نهجا أكثر تطورا للتعامل مع الاستعلامات المحتمل خطورتها. بدلا من النهج الثنائي السابق الذي يقبل أو يرفض الاستعلام، يقدم النموذج الجديد معلومات عامة آمنة في حال وجود أي شك حول النوايا الإجرامية المحتملة.
يأتي هذا الإطلاق في سياق سعي أوبن أيه آي المستمر نحو تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في تطوير ذكاء اصطناعي عام يفيد البشرية جمعاء، وهو الهدف الذي تأسست من أجله كمنظمة غير ربحية عام 2015.
اعترف ألتمان بأن النموذج الحالي، رغم ذكائه المتقدم، لا يزال يفتقر لعنصر التعلم المستمر اللازم لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام الكامل، مشيرا إلى أن الوصول لهذا الهدف سيتطلب استثمارات ضخمة في قوة الحوسبة.
تعكس النجاحات المالية للشركة قوة موقعها في السوق، حيث جمعت 40 مليار دولار في مارس الماضي، مما رفع تقييمها إلى 300 مليار دولار. تخطط الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وميتا وأمازون لإنفاق عشرات المليارات على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي خلال العام الجاري، مما يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع.