نجحت السلطات الأمنية الإسبانية في تفكيك شبكة إجرامية خطيرة كانت تعمل بكفاءة استثنائية في منطقة لاريوخا بشمال البلاد، وقد استهدفت هذه الشبكة المنظمة والمعقدة عمالا مغاربة في وضعيات هشة وحساسة. جاءت العملية الأمنية المعقدة التي أطلق عليها اسم “لاندرورت” لتكشف حجم الاستغلال الذي تعرض له 45 عاملا مغربيا، بينهم ثلاثة قاصرين لم يبلغوا سن الرشد بعد، حيث وضعوا في ظروف عمل قاسية وغير إنسانية تنتهك أبسط معايير حقوق العمل الدولية.
أسفرت العملية الأمنية المكثفة عن اعتقال سبعة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في الشبكة، وجاهت التهم الموجهة إليهم ثقيلة وخطيرة تشمل الاتجار بالبشر واستغلال العمال بطرق مختلفة، بالإضافة إلى تهم غسيل الأموال التي تثبت أن الشبكة كانت تحول أرباحها غير الشرعية من خلال قنوات مالية معقدة لإخفاء مصدرها الحقيقي.
كشفت التحقيقات الأمنية الدقيقة عن طريقة عمل الشبكة الإجرامية، حيث كانت تستهدف بشكل مقصود المهاجرين الذين يعانون من وضعيات هشة وضعيفة على الصعيد القانوني والاقتصادي. كانت الشبكة تقوم بتجنيد هؤلاء الأشخاص الضعفاء وتنقلهم إلى مختلف الضيعات الفلاحية المنتشرة في المنطقة، حيث كانوا يعملون بدون عقود عمل رسمية توفر لهم أي حماية قانونية. لم يكن العمال يحصلون على أجور عادلة أو حتى لائقة، بل كانوا يتقاضون أجورا زهيدة جدا تصل إلى أورو واحد فقط مقابل كل كيلوغرام من الفلفل الذي يقومون بحصده، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية.
إضافة إلى الأجور المخزية، كان العمال يجبرون على دفع مبالغ باهظة وغير معقولة لقاء السكن في أماكن غير صحية وغير آدمية على الإطلاق. بلغت تكاليف المبيت 150 أورو في بعض الحالات، بينما اضطر عمال آخرون إلى دفع 50 أورو فقط للنوم على الأرض الحافية دون أي مفروشات أو ظروف صحية أساسية. شهدت التحقيقات حالات صادمة كحالة زوجين تم العثور عليهما محتجزين في غرفة مغلقة وضيقة ذات تهوية سيئة جدا، مما كان يشكل خطرا حقيقيا على صحتهما وحياتهما.
أبرز ميغيل آنخيل سائز، الناطق الرسمي بلسان الحرس المدني الإسباني، جانبا مظلما آخر من هذه القضية المؤلمة، وهو تورط بعض الفلاحين المحليين الذين كانوا يعرفون تماما طبيعة الانتهاكات الحادثة في ضيعاتهم لكنهم لم يتخذوا أي إجراء. انتقد الناطق الرسمي التبريرات الاقتصادية التي قدمها هؤلاء الفلاحون لصمتهم، واصفا إياها بـ “النفاق الأخلاقي” البشع الذي يعكس عدم احترام أولئك الأشخاص لكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
تضمنت العملية الأمنية الشاملة تفتيش 5 ضيعات فلاحية ومستودعات تابعة للشبكة، حيث تم مصادرة 22000 أورو نقدا و مجوهرات بقيمة 2500 أورو وسيارتين تابعتين للمتهمين. كما عثرت الفرق المتخصصة على وثائق وسجلات تثبت وجود تحويلات مالية مشبوهة ومعقدة. اتخذت السلطات إجراءات إضافية حيث تم تجميد حسابات بنكية مرتبطة بالشبكة وتعليق نشاط شركة كانت تستخدم كغطاء قانوني لأنشطة الاستغلال الحقيقية.
تسلط هذه القضية الخطيرة الضوء بوضوح على استمرار ظاهرة استغلال العمال المهاجرين في القطاع الزراعي الإسباني، وهي ظاهرة لم تُحل رغم الجهود الأمنية المتكررة. يشكل هذا الواقع المؤلم تذكيرا قاسيا بضرورة تعزيز الرقابة الحكومية والدولية على ظروف العمل في هذا القطاع الحساس. يتطلب الوضع جهودا منسقة بين السلطات الإسبانية والمغربية وكذلك المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، بهدف ضمان حماية فعالة لحقوق العمال المهاجرين وتوفير ظروف عمل كريمة وآمنة تليق بكرامة الإنسان.











