شهدت قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون العسكرية في ولاية ألاسكا مشهداً مثيراً عندما التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في أول مواجهة مباشرة بينهما منذ ست سنوات كاملة. هذا اللقاء الاستثنائي جاء محاطاً بطقوس بروتوكولية معقدة وعرض جوي مذهل نفذته قاذفات أمريكية من طراز B-2.
اللحظات الأولى للقمة كانت محسوبة بدقة متناهية، حيث وصلت الطائرتان الرئاسيتان في توقيت متقارب جداً، وهو ما اعتبره المراقبون رسالة رمزية عن التوازن المطلوب في هذه المفاوضات الحساسة. المشهد البروتوكولي تضمن نزول الرئيسين من طائرتيهما بشكل متزامن تقريباً، ثم سيرهما على بساط أحمر ممتد وسط أجواء من التوتر والترقب.
الصمت الذي التزم به كلا الرئيسين أمام وسائل الإعلام كان لافتاً بشكل خاص، حيث تجاهلا تماماً أسئلة الصحافيين المرافقين واكتفيا بمصافحة رسمية قصيرة أمام الكاميرات. هذا التحفظ الإعلامي يعكس الحساسية البالغة للموضوعات المطروحة للنقاش والرغبة في تجنب أي تصريحات قد تؤثر سلباً على مسار المفاوضات.
التطور الأكثر إثارة جاء عندما دعا ترامب بوتين للانضمام إليه في سيارته الرئاسية المصفحة الشهيرة الملقبة بـ”الوحش”، وهي خطوة غير اعتيادية تشير إلى رغبة أمريكية في خلق أجواء ودية قبل بدء المباحثات الرسمية. هذا الحوار الخاص بين القائدين في السيارة قد يكون له تأثير كبير على توجه النقاشات اللاحقة.
كارولاين ليفيت، المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، كشفت عن تغيير مهم في برنامج القمة، حيث تحول اللقاء من مباحثات ثنائية مغلقة إلى جلسات موسعة تضم كبار المستشارين من الجانبين. هذا التعديل يهدف لضمان توثيق دقيق للمناقشات وتجنب الجدل الذي أثير حول لقاءات سابقة بين الرئيسين.
الوفد الأمريكي المرافق لترامب يضم شخصيات مؤثرة في السياسة الخارجية، وعلى رأسهم وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، بينما يمثل الجانب الروسي وزير الخارجية المخضرم سيرغي لافروف إلى جانب يوري أوشاكوف، مستشار بوتين للسياسة الخارجية.
تقارير إعلامية أمريكية أشارت إلى أن قرار توسيع نطاق المشاركة في الاجتماعات جاء استجابة للانتقادات التي واجهها ترامب في ولايته الأولى، عندما طلب من مترجمه تدمير الملاحظات المسجلة خلال لقاء مماثل في ألمانيا، مما أثار تساؤلات حول شفافية تلك المحادثات.
تصريحات ترامب على متن الطائرة الرئاسية كشفت عن طموحاته الكبيرة لهذه القمة، حيث أعرب عن أمله في التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا. تشدده في هذا الموقف واضح من تهديده بالانسحاب من المفاوضات إذا رفض بوتين المقترحات المطروحة، وهو موقف يعكس ثقته في قدراته التفاوضية.
الموضوع الأكثر إثارة للجدل في هذه المفاوضات يتعلق بإمكانية طرح تبادل أراضي بين روسيا وأوكرانيا، وهو اقتراح ترفضه كييف بشكل قاطع. رغم ذلك، أكد ترامب أن القرار النهائي سيبقى بيد الحكومة الأوكرانية، مع إمكانية تقديم ضمانات أمنية لا تشمل الانضمام لحلف شمال الأطلسي.
الخطوة المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب قبيل القمة تمثلت في اتصاله بالرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الحليف المقرب من بوتين، ووصفه بعبارات إيجابية على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا التحرك فُسر كرسالة غير مباشرة حول التوجه الأمريكي الجديد في التعامل مع محور موسكو ومينسك.
التوقيت الحالي للقمة يخدم المصالح الروسية إلى حد كبير، حيث تدخل موسكو المفاوضات من موقع قوة عسكرية بعد التقدم الميداني الذي حققته قواتها في الجبهة الشرقية لأوكرانيا. هذا الوضع يمنح بوتين ورقة قوية في المساومة ويزيد من قلق الحلفاء الأوروبيين من احتمال توصل الرئيسين لاتفاق يتجاوز موقف أوكرانيا الرسمي.
المخاوف الأوروبية من هذه القمة تتركز حول إمكانية إعادة ترسيم التوازنات الاستراتيجية العالمية دون إشراك فعلي للشركاء التقليديين لواشنطن. هذا القلق مبرر خاصة في ضوء تاريخ ترامب في اتخاذ قرارات مفاجئة دون تنسيق مسبق مع الحلفاء.
الاتصالات الهاتفية المتكررة بين ترامب وبوتين خلال الأشهر الستة الماضية مهدت الطريق لهذا اللقاء المباشر، وهو ما يشير إلى وجود تفاهمات أولية قد تسهل الوصول لاتفاقات ملموسة. المراقبون ينقسمون بين متفائل يرى في القمة فرصة لإنهاء الصراع الأوكراني، ومتخوف من تداعياتها على النظام الدولي الحالي والتحالفات الاستراتيجية القائمة.