شهد مشعر منى المبارك بداية توافد ضيوف الرحمن لأداء مناسك الحج، حيث بدأ الحجاج رحلتهم الروحانية في يوم التروية الموافق للثامن من ذي الحجة 1446 هجرية. امتلأت أجواء المشعر المقدس بأصوات التلبية والتسبيح والتكبير، في مشهد إيماني يعكس عظمة هذه الشعيرة الإسلامية.
تشير التقديرات إلى أن نحو 64 في المئة من الحجاج اختاروا البدء بالمبيت في مشعر منى خلال يوم التروية، بينما يفضل الجزء المتبقي من ضيوف الرحمن والذي يمثل 36 في المئة التوجه مباشرة إلى جبل عرفة لأداء الوقفة الكبرى. هذا التوزيع يعكس المرونة في أداء المناسك وفقاً للظروف المختلفة للحجاج.
يعود الحجاج الذين توجهوا مباشرة إلى عرفة إلى مشعر منى بعد انتهائهم من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، وذلك لقضاء الأيام المتبقية من الحج وأداء رمي الجمرات في الأيام العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، باستثناء من اختار التعجل في الرحيل.
يتميز مشعر منى بموقعه الجغرافي المميز، حيث يقع على مسافة سبعة كيلومترات في الاتجاه الشمالي الشرقي من المسجد الحرام، ويشكل حلقة وصل بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة. تحيط بهذا المشعر المقدس الجبال من الناحيتين الشمالية والجنوبية، مما يمنحه طابعاً جغرافياً فريداً يناسب طبيعة المناسك المؤداة فيه.
يحد المشعر من جهة مكة المكرمة جمرة العقبة، بينما يمتد حتى وادي محسر من ناحية مزدلفة. هذا الموقع الاستراتيجي جعل منه نقطة محورية في رحلة الحج، حيث لا يشهد استيطاناً دائماً إلا خلال موسم الحج فقط.
يحمل مشعر منى في طياته ذكريات عريقة ترتبط بالأنبياء والرسل، فقد شهد هذا المكان المبارك قيام نبي الله إبراهيم عليه السلام برمي الجمار وذبح الفدية بدلاً من إسماعيل عليه السلام. كما أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنة خلال حجة الوداع، حيث رمى الجمرات وحلق شعره، مؤسساً بذلك تقليداً يتبعه المسلمون حتى اليوم.
تستمر هذه التقاليد النبوية في الحج المعاصر، حيث يؤدي الحجاج مناسك رمي الجمرات الثلاث وهي جمرة العقبة والجمرة الوسطى والجمرة الصغرى، بالإضافة إلى ذبح الهدي وحلق الشعر أو تقصيره.
حرصت الحكومة السعودية على توفير جميع الخدمات الضرورية لضمان راحة الحجاج وتسهيل أداء مناسكهم. تشمل هذه الخدمات الأمن والحماية على مدار الساعة، والرعاية الطبية المتخصصة، وخدمات التموين والإمداد، بالإضافة إلى وسائل النقل المتنوعة التي تربط المشعر بباقي المشاعر المقدسة.
تهدف هذه الجهود المتكاملة إلى توفير بيئة روحانية مثالية تمكن ضيوف الرحمن من التركيز على العبادة والدعاء دون انشغال بالأمور اللوجستية، مما يعزز من التجربة الإيمانية لهذه الرحلة المقدسة.