في مشهد بات يتكرر ، هزّت اشتباكات مسلحة عنيفة بين تجّار المخدرات مخيم “العيون” بتندوف، مما زاد من حدة الفوضى والانفلات الأمني الذي بات سمة بارزة لحياة الآلاف من اللاجئين الصحراويين. وبينما عمّ الخوف صفوف السكان، غابت أيّ استجابة فعلية من ميلشيات البوليساريو أو الجيش الجزائري، ما أجّج الغضب الشعبي ودفع العشرات للخروج في مظاهرات تطالب بالأمن.
ردًّا على ذلك، سارع زعيم البوليساريو إبراهيم غالي إلى عقد اجتماع طارئ مع قيادات الجبهة وبعض مسؤولي الميليشيات، داعيًا إلى “الوحدة والصمود في وجه المؤامرات التي تحيكها قوى معادية”، ومؤكدًا على ضرورة “القضاء على مظاهر الفوضى والانحراف التي تهدد المجتمع الصحراوي”. إلا أن هذه الدعوات لم تجد صدىً حقيقيًّا، إذ لم تعد الخطابات قادرة على إخفاء واقع الفساد والانفلات.
تصريحات غالي تبعها مقال لوزير “الثقافة” في الجبهة، موسى سلمى، حاول فيه تبرير تقاعس الميليشيات عن التدخل، زاعمًا أن “العدو يحاول زرع سمه بيننا وتفجير وضعنا من الداخل”. لكنه لم ينجُ من الانتقادات، خصوصًا حين وصف الوضع بـ”اللحظة الحرجة” التي تتطلب محاربة من أسماهم “عصابات الخونة ومهربي السلاح والمخدرات”.
هذا الواقع المتدهور لم يمرّ مرور الكرام حتى في صفوف النشطاء الانفصاليين أنفسهم. الناشط سعيد زروال، المقيم بالسويد، وجّه انتقادات لاذعة للجبهة، وناشد الجزائر إعادة النظر في مطلب “تقرير المصير”، الذي وصفه بأنه أصبح يعني عمليًّا دفن اللاجئين في تندوف بلا مستقبل. وقال بصراحة إن “تقرير المصير في الصحراء مستحيل”، داعيًا إلى إيجاد حلّ يضمن كرامة ومصلحة الصحراويين قبل فوات الأوان.
تكرار هذه الأحداث، من اشتباكات مسلحة إلى مظاهرات غاضبة، يعكس هشاشة الوضع الداخلي في المخيمات، حيث تتغذى الفوضى على الفساد، وتُغذّيها أيضًا قيادة فقدت ثقة سكانها.
وإذا كانت الشرعية تُستمد من القدرة على فرض الأمن وتحقيق الأمل، فإن البوليساريو، التي تعيش أسوأ مراحلها، لم تعد سوى هيكل متآكل. وبالنظر إلى ما يشهده المخيم من تحلل في البنية والانتماء، فإن نهاية هذا الكيان لم تعد سوى مسألة وقت، في انتظار تسوية تحفظ الأمن وتعيد للساكنة الصحراوية حقها في حياة كريمة، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء.