أعلنت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، على لسان الوزير أحمد البواري، عن إطلاق خطة وطنية مكونة من خمسة محاور رئيسية، تستهدف إعادة هيكلة القطيع الوطني ودعم مربي الماشية، في ظل الأزمة المتفاقمة الناتجة عن سنوات الجفاف المتتالية، والضغط على سلاسل الإنتاج الحيواني.
وخلال ندوة صحفية أعقبت أشغال المجلس الحكومي ليوم الخميس، أوضح الوزير أن هذه الخطة الاستراتيجية تأتي استجابة لحالة الطوارئ الفلاحية التي يعيشها المغرب، وتشمل بشكل أساسي إطلاق عملية ترقيم إناث الماشية كآلية لتتبع تطبيق قرار منع ذبح الإناث، وذلك بهدف الحفاظ على الثروة الحيوانية الوطنية التي باتت مهددة بالانقراض في بعض المناطق.
وأكد البواري أن الهدف المسطر يتمثل في بلوغ أزيد من 8 ملايين رأس من إناث الأغنام والماعز بحلول شهر ماي من سنة 2026، وهو رهان يتطلب تعبئة شاملة وتعاون جميع الفاعلين في القطاع. ولتحقيق ذلك، سيتم تخصيص دعم مباشر بقيمة 400 درهم عن كل رأس من الإناث التي تم ترقيمها ولم تُذبح، وذلك كتحفيز للمربين لمواصلة رعاية القطيع وتحمل كلفة تغذيته ورعايته في ظل الصعوبات الراهنة.
في سياق موازٍ، وبناءً على توجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، تم اتخاذ قرار تعليق ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لسنة 2025، وهو قرار استثنائي تُحكمه اعتبارات وطنية ملحة تتعلق بالحفاظ على الثروة الحيوانية والأمن الغذائي للمملكة. ويُعد هذا القرار، رغم حساسيته الدينية والاجتماعية، تجسيداً لرؤية ملكية بعيدة المدى تستشرف مخاطر المرحلة وتسعى إلى حماية مصالح المواطنين، خصوصاً في العالم القروي.
ففي ظل ندرة الأمطار، وغلاء أسعار الأعلاف، وتقلص أعداد رؤوس الماشية، فإن استمرار الذبح خلال موسم العيد سيُفاقم الأزمة، وقد يؤدي إلى انهيار شبه كلي للمنظومة الحيوانية الوطنية، مما سينعكس سلباً على أسعار اللحوم واستقرار الأسواق خلال السنوات المقبلة.
إن هذه التضحية الظرفية التي دعا إليها جلالة الملك، يجب أن تُفهم على أنها خطوة وطنية كبرى تُغلب مصلحة الأمة على التقاليد المؤقتة، وتدعو إلى خطاب ديني مسؤول وتواصل حكومي فعال لتفسير خلفيات القرار وتفادي سوء الفهم أو الاحتقان الشعبي.
من الواضح أن الدولة المغربية بدأت تتحرك بخطى استباقية في مواجهة أزمة غير مسبوقة في القطاع الفلاحي، إذ باتت الحلول الظرفية غير كافية، وأصبحت الحاجة ماسة إلى سياسات عمومية مبنية على التتبع والدعم الممنهج للمربين. ومع أن الدعم المالي المقترح يبدو مشجعاً، إلا أن نجاح هذه الخطة رهين بصرامة المراقبة الميدانية، ومحاربة التهريب، والتنسيق مع الجماعات المحلية لضمان فعالية التنفيذ.
كما يتطلب الأمر مواكبة إعلامية قوية لإقناع المواطنين بأن تعليق الأضحية هو لحماية الأجيال المقبلة من الغلاء والندرة، وليس خضوعاً لضغوط دولية أو خرقاً للشعائر.