رغم أن كثيراً من الملاحظات تُسجَّل على بطء التدخلات وتأخر اتخاذ القرارات لفائدة شريحة من المواطنين الذين ما يزالون يرزحون تحت وطأة آثار فيضانات مدمّرة وخسائر قاسية، فإن اجتماعاً عُقد بتوجيهات ملكية سامية أعاد، ولو جزئياً، شيئاً من الأمل إلى نفوس المتضررين. غير أن هذا الأمل يبقى مؤجلاً على أرض الواقع، لأن مسار الإصلاحات وإعادة البناء، كما يبدو، سيكون طويلاً ومُرهقاً.
اللافت أن ما قُدّم من “أجوبة” وتطمينات خلال اجتماع الخميس الماضي جاء في غياب أي مسؤول رفيع من الجهات التي يفترض أن تكون في صلب التدخل العاجل. لم يرَ أحدٌ من كبار المعنيين ضرورة الانتقال إلى عين المكان أو مواكبة اللحظة التي تتطلب حضوراً سياسياً وإدارياً بحجم الأزمة، وهو ما زاد من شعور السكان بأنهم تُركوا في مواجهة قدرهم وحدهم.
وتماماً كما حدث بعد زلزال الحوز، يطرح المتابعون تساؤلات محرجة حول غياب رئيس الحكومة عن المشهد. لم يكلّف نفسه عناء زيارة المنطقة المنكوبة لتفقد الأضرار، ولا الوقوف عند قبور 37 ضحية، ولا حتى تحية الناجين الذين وجدوا أنفسهم في ساعات معدودة بلا مأوى ولا مصدر رزق، بعدما جرفت السيول مساكنهم ومحلاتهم الصغيرة.
تفصيلٌ مهم، وإن جاء متأخراً: مصالح الأرصاد الجوية لم تُطلق إنذاراً مبكراً ولم ترصد ما كان قادماً، ما حرم السكان من أبسط فرصة للاستعداد، وأعاد إلى الواجهة سؤال الجاهزية واليقظة في بلد يعرف، أكثر من أي وقت مضى، تقلبات مناخية حادة.
أما “مخطط الطوارئ” الذي تم اعتماده لإعادة التأهيل، فيتحدث في خطوطه العريضة—ومن دون جدول زمني واضح—عن إعادة بناء المساكن والمحلات التي ابتلعتها المياه، وترميم البنيات التحتية وشبكات التطهير. لكن ما يثير الاستغراب هو غياب أي حديث صريح عن تعويضات للخسائر التي تكبدها الأهالي في ممتلكاتهم، وكأن الضرر الذي أصابهم يمكن تجاوزه بوعود عامة ومشاريع مؤجلة.
الأكثر إيلاماً أن الفيضانات لم تمسّ إلا الأحياء الأكثر هشاشة وفقراً، حيث السكن المتداعي والهشاشة الاجتماعية بأقسى صورها. وكأن “لعنة” ما جعلت الكارثة تضرب تحديداً الفئة التي تعيش في دائرة مغلقة من الفقر والاعتماد على تجارة صغيرة ومتواضعة كوسيلة وحيدة للعيش.
ورغم اجتماع مسؤولي المصالح العمومية المختلفة، لم يتسرب أي توضيح بخصوص مصير السكان في فترة الانتظار: أين سيذهبون؟ كيف سيعيشون؟ ومتى سيعودون إلى بيوتهم ومحلاتهم لفتح أبواب الرزق من جديد؟ أسئلة ظلّت معلّقة، كما لو أن الإدارة تُراهن على الوقت ليخفف الغضب، أو على صبر الناس ليُطيل عمر الصمت.
هكذا تسير الأمور، على ما يبدو: الكثير من الاجتماعات، قليل من الإجابات، وأملٌ كبير لا يعيش إلا على وقع التوجيهات العليا… بينما يبقى المتضررون وحدهم في الميدان، يدفعون ثمن التأخر، وثمن الهشاشة، وثمن “اللايقين”.










